قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ﴾ الآية : وهذا يدلُّ على أنَّه ما بعث رسولاً إلى الخلق من النِّسوان، ولا من أهل البادية، وقال ﷺ :« مَنْ بَدَا جَفَا ».
قول :« نُوحِي » العامة معلى « يُوحَى » بالياء من تحت مبنيًّا للمفعول.
وقرأ حفص :« نُوحِي » بالنون، وكسر الحاء مبنيًّا للفاعل، اعتبارا بقوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا ﴾ [ النحل : ٤٣ ] وكذكل قرا ما في النحل، وأوَّل الأنبياء، ووافقه الاخوان على قوله :﴿ نوحي إِلَيْهِمْ ﴾ في الأنبياء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى والجملة صفة ل « رِجَالاً » و ﴿ مِّنْ أَهْلِ القرى ﴾ صفة ثانيةٌ، وكان تقديم هذه الصِّفة على ما قبلها أكثر استعمالاً، لأنَّها أقرب إلى المفرد، وقد تقدَّم تحريره في المائدة.

فصل


قوله :﴿ مِّنْ أَهْلِ القرى ﴾ أي من أهل الأمصار دون أهل البوادي؛ لأن أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.
قال الحسن : لم يبعث الله نبيًّا من أهل البادية ولا من الجن ولا من الملائكة وقيل إنما لم يبعث من أهل البادية لغلظهم وجفاهم كا تقدَّم.
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾ يعني :[ هؤلاء ] المشركين المكذبين، ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾ : آخر أمر، ﴿ الذين مِن قَبْلِهِمْ ﴾ يعنى : الأمم المكذِّبين فيعتبروا، ﴿ وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا ﴾ يقول سبحانه وتعالى : هذا فعلنا بأهل ولا يتنا وطاعتنا أن نُنجِّهم عند نزول العذاب، وما في الدرار الآخرة لهم خير، فترك ذلك اكتفاء به لدلالة الكلام عليه، والمعنى : ولدار الحالِ الآخرة.
وقيل : هو إضافة الشيء إلى نفسه؛ كقوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين ﴾ [ الواقعة : ٩٥ ]، وكقولهم : يومُ الخَميِسِ، وربيعُ الآخر، ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ فتؤمنون، قرأ نافع، وابن عامرٍ، ورواية عن عاصم :« تَعْقِلُون » بتاء الخطاب، والباقون بياء الغيبة.
قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا استيأس الرسل ﴾ الآية.
ليس في الكلام شيء يكون، « حتَى » غاية له؛ فلذلك اختلفوا في تقدير شيءٍ يصحُّ حلعه مغيًّا ب « حتَّى ».
فقدره الزمخشري : ما أرسلنا من قبلكَ رجالاً، فتراخى نصرهم حتَّى.
وقدره القرطبيُّ : ما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً، ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتَّى إذا.
وقدره ابن الجوزي : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً، فدعوا قومهم فكذَّبوهم، فطال دعاؤهم، وتكذيب قومهم حتَّى إذا، وأحسنها المقدم.
وذكر ابن عطيَّة شيئاً من معنى قوله :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ ﴾ فقال : ويتضمن قوله « أفَلمْ يَسِيرُوا » إلى من قبلهم، أنَّ الرُّسل الذين بعثهم الله تعالى من أهل القرى دعوهم، فلم يؤمنوا حتى نزلت به المُثُلاث، فصبروا في حيِّز من يعتبر بعاقبته؛ فلهذا المضمَّن حسن أن تدخل « حتَّى » في قوله :« حتَّى إذَا ».


الصفحة التالية
Icon