٣١٥٨ ومَاك كَانَ مالِي من ثُراثٍ وَرِثتهُ | ولا دِيةً كَانتْ ولا كَسْبَ مَأثَم |
ولكِنْ عَطاءُ اللهِ من كُلِّ رحْلَةٍ | إلى كُلِّ مَحْجُوبِ السُّرادقِ خِضْرمِ |
٣١٥٩ وإنِّي بَحمْدِ الله لا مَالَ مُسلمٍ | أخَذْتُ ولا مُعطِي اليَمينِ مُخالفِ |
ولكنْ عَطاء اللهِ منْ كُلِّ فَاجرٌ | قَصِيِّ المحَلِّ مُعْورٍ للمَقَارِفِ |
قال الفراء والزجاج :« ونصي » تَصْديقَ « على تقدير : ولكن كان تصديق الذي بين يديه، كقوله تعالى :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله ﴾ [ الأحزاب : ٤٠ ] ثم قالا : ويجوز رفعه في قياس النحو على معنى : ولكن هو تصديق الذي بين يديه؛ فكأنَّهما لم يطَّلعا على أنهما قراءة.
فصل
معنى الآية : أن محمداً ﷺ لا يصحُّ منه أن يفترى هذه القصَّة، بحيث تكون مطابقة لها من غير تفاوت.
وقيل : إن القرآن ليس بكذب في نفسه؛ لأنَّه لا يصحُّ أن يفترى، ثم أكَّد كونه غير مفترى بقوله :﴿ ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ وهو إشارة إلى أنَّ هذه القصَّة وردت موافقة لما في التوراة، وسائر الكتب الإلهيَّة، ثم وصفه بأن فيه :﴿ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾.
قيل : كل شيء في واقعة يوسف مع أبيه، وإخوته.
وقيل : يعود على كلِّ القرآن؛ كقوله تعالى :﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ].
والأولى : أن يجعل هذا الوصف وصفاً لكلِّ القرآن، ويكون المراد ما تضمَّنه من الحلال، والحرام، وسائر ما يتَّصل بالدِّين.
قال الواحدي :» وعلى هذين التفسرين جميعاً؛ فهو من العام الذي أريد به الخاصُّ؛ كقوله تعالى :﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأعراف : ١٥٦ ] يريد : وسعت كل شيء أن يدخل فيها، ﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ٢٣ ].
ثمَّ وصفه بكونه هدّى في الدنيا، وسبباً لحصول الرحمة في القيامة، ﴿ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ خصَّهم الله بالذِّكرح لأنَّهم الذين انتفعوا به، كقوله تعالى ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة : ٢ ].
وروى أبيُّ بن كعب رضي الله عنه، قال : قال رسول الله ﷺ وشرَّف كرَّم وبجَّل وعظَّم :« عَلِّموا أرقَّاءكُمْ سُورَةَ يُوسُفَ ﷺ، فإنَّهُ أيُّما مسلم تلاها، وعلَّمَها أهْلهُ ومَا مَلكَتْ يَمِينهُ، هَوَّنَ اللهُ عَليْهِ سَكرَاتِ المَوْتِ، وأعْطَاهُ القُوَّة أن لا يَحْسُدَ مُسْلِمَا ».