وقد تقدَّم هذا، إذا قلنا : إنَّ « تَروْنَهَا » صفة أمَّا إذا قلنا : إنَّها مستأنفةٌ كما سيأتي؛ فيتعيّن أن لا عمد لها.
والعامة على فتح العين، والميم، وهو اسم جمع، وعبارة بعضهم : أنه جمع نظراً إلى المعنى دون الصناعة، وفي مفرده احتمالان :
أحدهما : أنَّه عماد مثل « إهَاب وأهُب ».
والثاني : أنه عمودٌ، كأدِيم وأدُم، وقَضِيتم وقُضُم، كذا قاله أبو حيَّان : وقال أبو البقاءِ :« جمع عماد، أو عمود مثل : إدِيم وأدُم، وأفِيق وأفُق، وإهَاب وأهُب، ولا خامس لها »، فجعلوا فعلاً كفعيل في ذلك.
وفيه نظر؛ لأنَّ الأوزان لها خصوصية، فلا يلزمُ من جمع « فعيل » وعلى كذا أن يجمع عليه « فعول »، فكان ينبغي أن ينظروه بأن :« فَعُلاً » جمع على « فَعَل »، ثم قول أبي البقاءِ « ولا خامس لها » يعني أنه لم يجمع على :« فُعُل » إلاَّ هذه الخمسة « عِمادٌ وعَمُودٌ وأدِيمٌ وأفِيقٌ وإهَابٌ ».
وهذا الحصرُ ممنوعٌ لما تقدَّم من نحو : قَضِيمٌ وقُضُمٌ، ويجمعان في القلَّة على أعمدة. وقرأ أبو حيوة، ويحيى بن وثاب :« عُمُد » بضمتين، ومفرده يحتمل أن يكون عِمَاداً، كشِهَاب، وشُهُب، وكِتَاب، وكُتُب، وأ، يكون عَمُوداً، كرسُولٍ، ورُسُل وقد قرىء في السبع :﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾ [ الهمز : ٩ ] بالوجهين.
وقال ابن عطية في « عَمَد : اسم جمع عمود، والباب في جمعه » عُمُد « بضم الحروف الثلاثة، كرسول ورُسُلٌ.
قال أبو حيان :»
وهذا وهمٌ، وصوابه : بضمِّ الحرفين؛ لأنَّ الثالث هو حرف الإعراب، فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمعِ «.
والعِمَادُ والعَمود : ما يعمدُ به، أي : يسند، ويقال : عمدت الحائطَ أعمدهُ عَمْداً، أي : أدْعمتهُ، فاعْتمدَ الحائطُ على العِمَادِ، والعَمَدُ : الأساطينُ قال النابغة :[ البسيط ]

٣١٦٣ وخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهُمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمدِ
والعَمْدُ : قصد الشيء، والاستناد إليهن فهو ضدُّ السَّهو، وعمودُ الصُّبْحِ : ابتداءُ ضوئهِ تشبيهاً بعمُودِ الحديدِ في الهَيئةِ، والعُمْدَة : ما يُعْتمدُ عليه من مالِ وغيرهِ والعَمِيدُ : السَّيِّد الذي يعمدهُ النَّاسُ، أي : يَقْصدُونَهُ.
قوله »
تَرَوْنَها « في الضَّمير المنصُوب وجهان :
أحدهما : أنَّهُ عائدٌ على :»
عَمَدٍ «، وهو أقرب مذكورٍ، وحينئذ تكون الجملة في محل جر صفة ل » عَمَدٍ «، ويجيء فيه الاحتمالانِ المتقدِّمانِ من كون العمد موجودة لكنَّها لا ترى، أو غير موجودة ألبتََّة.
والثاني : أنَّ الضَّمير عائد على »
السَّمواتِ «، ثمَّ في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنَّها مستأنفة لا محلَّ لها، أي : استشهد برؤيتهم لها لذلك، ولم يذكر الزمخشري غيره.
والثاني : أنها في محل نصب على الحال من هاء :»
تَرَوْنهَا « وتكون حالاً مقدرة؛ لأنها حين رفعها لم نكن مخلوقين، والتقدير : رفعها مرئية لكم.


الصفحة التالية
Icon