المرتبة الثانية : أنَّ ابن كثير، وحفصاًم قرآ بالاستفهام في الأول والثاني إلا الأول من العنكبوت فقرآه بالخبر.
المرتبة الثالثة : أنَّ ابن عامرٍ قرأ بالخبر في الأوَّل، والاستفهام في الثَّاني إلا في النمل، والواقعة، والنازعات، فقرأ في النمل، والنازعات بالاستفهام في الأول، وبالخبر في الثاني، وفي الواقعة بالاستفهام فيهما.
المرتبة الرابعة : الباقون وهم : أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر رضيه الله عنهم أجمعين قرءوا بالاستفهام في الأول، والثاني، ولم يخالف أحدٌ منهم أصله.
قال شهاب الدين :« وإنما ذكرت هذين الطريقين لعسرهما، وصعوبة استخراجهما من كتب القراءات.
فأمَّا وجه قراءة من استفهم في الأوَّل، والثاني؛ فقصد المبالغة في الإنكار، فأتى به في الجملة الأولى، وأعاده في الثانية تأكيداً له، ووجه من أتى به مرة واحدة : حصول المقصود به؛ لأنَّ كل جملة مرتبطة بالأخرى، فإذا أنكر في إحداها حصل الإنكارُ في الأخرى، وأمَّا من خالف أصله في شيءٍ من ذلك، فلاتباع الأثر »
.

فصل


هذا الخطاب لرسول الله ﷺ ومعناه : أنَّك تعجبُ من إنكارهم النَّشأة الأخرى مع إقرارهم باتبداءِ الخلق، فعجب أمرهم، وكان المشركون ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عزَّ وجلَّ وحقد تقرَّر في القلوب أنَّ الإعادة أهون من الابتداء، فهذا موضع العجب.
ثم قال :﴿ أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ ﴾ وهذا يدلُّ على أنَّ من أنكر البعث والقيامة فهو كافرٌ، وإنما لزم من إنكار البعثِ الكفر بالله تعالى؛ لأنَّ إنكار البعث لا يتمُّ إلا بإنكار القدرة، والعلم، والصدق، وأما إنكار القدرة فكقوله : الله غير قادر على الإعادة، وأما إنكار العلم فكقوله : الله غير عالم بالجزيئات، فلا يمكنه تمييز المطيع عن العاصي، وأمَّا إنكار الصِّدق فكقولهم : إنَّه أخبر عنه، ولكنه لا يفعل؛ لأنَّ الكذب جائز عليه، وكل ذلك كفرٌ بالله تعالى.
ثم قال :﴿ وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ ﴾ قال الأصمُّ : المراد بالأغلالِ : كفرهم وذلهم، وانقيادهم للأصنام، ونظيره قوله تعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً ﴾ [ يس : ٨٠ ] ؛ وقال الشاعر :[ البسيط ]
٣١٦٥.................. لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أغْلالٌ وأقْيَادُ
ويقال للرَّجلُ : هذا غلٌّ في عنقك للعمل الرَّديء، معناه : أنَّه [ ملازم ] لك، وأنت مُجازًى عليه بالعذابِ.
قال القاضي : هذا وإن كان محتملاً؛ لكن حمل اللفظ على الحقيقة أولى.
قال ابن الخطيب :« أقول على نصرة الأصم، بأن ظاهر الآية يقتضي حصول الأغلال في أعناقهم في الحالِ، وذلك غير حاصل، فإنهم يحملون هذا اللفظ على أنًَّه سيحصل هذا المعنى، ونحنُ نحمله على أنه حاصلٌ من الحالِ، والمراد بالأغلال ما ذكره فكلُّ واحدٍ منا تارك للحقيقة من بعض الوجوه، فلمَ كَانَ قولكم أقوى؟ ».
وقيل : المعنى : أنَّهُ تعالى يجعل الأغلال في أعناقهم يوم القيامة، ويدلُّ عليه قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon