وقال الواحدي :« وأصل هذا الحرف من المثل الذي هو الشبه، ولما كان الأصل أن يكون العقاب مشابهاً للمعاقب عليه، ومماثلاً له سمي بهذا الاسم ».
والمعنى : يستعجلونك بالعذابِ الذي لم نعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، أفلا يعتبرون بها.
ثم قال ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ ﴾ وهذا يدلُّ على أنه سبحانه وتعالى قد يعفو عن صاحب الكبيرة قبل التوبةن لأن قوله :﴿ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ ﴾، أي : حال اشتغالهم بالظم كما يقال : رأيت الأمير على أكله، أي حال اشتغاله بالأكل، وهذا يقتضي كونه تعالى غافراً للناس حال اشتغالهم بالظلم، ومعلوم أنَّ حال اشتغال الإنسان بالظلم لا يكون تائباً؛ فدلَّ هذا على أنه تعالى قد يغفر الذُّنوب قبل الاشتغالِ بالتوبة، وترك العمل بهذا الدليل في حق الكفر؛ فوجب أن يبقى معمولاً به في حق غير الكفرة، وهو المطلوبُ.
ويقال : إنَّهُ تعالى لم يقتصر على قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ ﴾ بل عطف عليه قوله :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب ﴾ ؛ فوجب أن يحمل الأول على أصحاب الكبائر، ويحتمل الثاني على الكفَّار.
قال المفسريون :« لَذُو مَغْفرةٍ » لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وعن المذنبيين إذا تابوا.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما : أرجى آية في القرآن هذه الآية :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب ﴾ إذا أصرُّوا على الكفر.
وروى حمّضاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال : لما نزلت :﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب ﴾ قال رسول الله ﷺ « لَوْلاَ عَفْوُ اللهِ ورَحْمتهُ وتَجاوُزهُ لمَا هَنأ أحَدا عَيْشٌ ولوْلاَ عِقابهُ ووَعِيدهُ وعَذابَهُ لاتَّكلَ كُلُّ أحدٍ ».
فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد : لذو مغفرة لأهل الصَّغائر لأجل أنَّ عقوبتهم مكفرة، ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون المراد إنَّ ربك لذو مغفرة إذا تابوا، وأنه تعالى إنَّما لا يعجل العقاب إمهالاً لهم في الإتيان بالتَّوبة، فإن تابوا فهو ذو مغفرة لهم، ويكون المراد من هذه المغفرة [ تأخير العقاب ] إلى الآخرة، بل نقول : يجب حمل اللفظ عليه؛ لأنَّ القوم طلبوا تعجيل العذاب، فجيب أن تحمل المغفرة على تأخير العذاب حتى ينطبق الجواب على السُّؤال.
ثم يقال : لِمَ لا يجوز أن يكون المراد بقوله :﴿ لَذُو مَغْفِرَةٍ ﴾ إمهالهم بالتَّوبة، ولا يعجل بالعقوبة، فإن تابوا، فهو ذو مغفرة، وإن لم يتوبوا؛ فهو شديد العقاب؟.