٣١٦٦................ نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطحِبَانِ
كأنه قيل : سواء منكم اثنان مستخف بالليل، وسارب بالنَّهار «.
قال شهابُ الدِّين : وفي عبارته بقوله : كان حق العبارة كذا سوء أدب، وقوله كقوله :»
نَكُنْ مِثلَ مَنْ يا ذئب « يشير إلى البيت المشهور في قصة بعضهم مع ذئبٍ يخاطبه :[ الطويل ]
٣١٦٧ تَعَشَّ فإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئبُ يَصْطحِبَانِ
وليس في البيت حملٌ على اللفظ والمعنى، وإنَّما فيه حملٌ على المعنى فقط، وهو مقصوده.
وقوله :»
وإلا فقد تناتول واحدٌ هو مستخق وسارب « لو قال بهذا قائل لأصاب الصَّواب وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد ذهبا إلى أن المستخفي والسَّاب شخص واحد يستخفي بالليل، ويسرب بالنَّهار، ليري تصرفه في النَّاس.
الثالث : أن يكون على حذف »
مَنْ « الموصولة، أي : ومن هو سارب، وهذا إنَّما يتمشى عند الكوفيين، فإنهم يجيزون حذف الموصول، وقد استدلالهم على ذلك.
والسَّاربُ : اسم فاعل من »
سَرَبَ، يَسْرُبُ «، أي : تصرف كيف يشاء؛ قال :[ الكامل ]
٣١٦٨ أنَّى سَربْتِ وكُنْتِ غَيرَ سَرُوبِ وتُقرَّبُ الأحلامُ غَيْرَ قَريبِ
وقال آخر :[ الطويل ]
٣١٦٩ وكُلُّ أنَاسٍ قَاربُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ ونَحْنُ خَلعْنَا قَيْدُهُ فهو سَارِبُ
أي : متصرف كيف توجَّه، ولا يدفعه أحدٌ عن مرعى قومه بالمنعة، والقوة.

فصل


معنى الكلام : أي : يستوي في علم الله المسر في القول، والجاهر به. وفي المستخفي، والسَّارب وجهان :
الأول : يقال : أخفيت الشيء أخفيه فخفي، واستخفى فلان من فلان، أي : توارى واستتر منه.
والسَّارب : قال الفراء والزجاج : أي : ظاهر بالنهار في سربه، أي : طريقه يقال : خلا له سربه، أي : طريقه، والسَّرب بفتح السِّين، وسكون الراء الطريق.
وقال الأزهري :»
تقول العرب : سَربتِ الإبلُ تسرب سَرَباً، أي : مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت «.
فمعنى الآية : سواء كان الإنسان مستخفياً في الظُّلماتِ، وكان ظاهراً في الطرقاتِ فعلم الله تعالى محيطٌ بالكلِّ.
قال ابن عباس :»
سواء ما أضمرته القلوب، أو أظهرته الألسنة «.
وقال مجاهد : سواء من أقدم على القبائح في ظلمات الليل، ومن أتى بها في النهار الظاهر على سبيل التَّوالي.
وقال ابن عباس أيضاً :»
هو صاحب ريبة مستخسف بالليل، وإذا خرج النهار أرى النَّاس أنه بريء من الإثم «.
والقول الثاني : نقل الواحدي عن الأخفش، وقطرب قال : المستخفي : الظاهر والسارب : المتواري، ومنه يقال : خفيت الشيء، أي : أظهرته، وأخفيت الشيء أي : استخرجته، ويسمى النَّبَّاش : المستخفي، والسَّارب : المتواري، أي : الداخل سرباً، وانسرب الوحش : إذا دخل في السِّرب، أي : في كناسه.
قال الواحديُّ :»
وهذا الوجه صحيح في اللغة إلا أنَّ الأول هو المختارُ لإطباق أكثر المفسرين عليه، وأيضاً : فالليل يدلُّ على الاستتار، والنهار على الظهور «.


الصفحة التالية
Icon