قوله تعالى :﴿ هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق ﴾ الآية لما خوَّف العباد بإنزال ما لا مرد له، أتبعه بذكر هذه الآية المشتملة على قدرة الله تعالى وحكمته، وهي تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب، والقهر من بعض الوجوه.
قوله :« خوفاً وطمعاً » يجوز أن يكونا مصدرين ناصبهما محذوف، أي : يخافون خوفاً، ويطمعون طمعاً، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع نصب على الحالِ، وفي صاحب الحال حينئذ وجهان :
أحدهما : أنه مفعول :« يُرِيكُمْ » الأول، أي : خائفين طامعين، أي : تخافون صواعقه وتطمعون في مطره، كما قال المتنبي :[ الطويل ]
٣١٧٠ فَتًى كالسَّحابِ الجُونِ يُخْشَى ويُرْتَجَى | يُرجَّى الحَيَا مِنهَا وتُخْشَى الصَّوعِقُ |
ويجوز أن يكون مفعولاً من أجله، ذكره أبو البقاء، ومنعه الزمخشريُّ لعدم اتِّحادِ الفاعل، يعني أنَّ « الإرادة » وهو الله تعالى غير فاعل الخوف، والطمع، وهو ضمير المخاطبين، فاخلتف فاعل الفعل المعلل، وفاعل العلة وهذا يمكن أن يجاب عنه : بأنَّ المفعول في قوَّة الفاعل، فإن معنى « يُرِيكُم » يجعلكم رائين، فتخافون، وتطمعون.
ومثله ف يالمعنى قوله النابغة الذبياني :[ الطويل ]
٣١٧١ وحَلَّتْ بُيوتِي في يَشفاعٍ مُمنَّعٍ | تَخالُ بهِ رَاعِي الحَمُولةِ طَائِرَا |
حِذَاراً على الاَّتَنالَ مَقادَتِي | ولا نِسْوتِي حتَّى يَمُتْنَ حَرائِرَا |
فإنَّ المرئي، المخيف، والمطمع هو الله تعالى فناب خوف عن أخافة، وطمع عن إطماع، نحو :﴿ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ] على أنه قد ذهب ابن خروف، وجماعة على أنَّ اتحاد الفعل ليس بشرط.
فصل
في كون البرق خوفاً وطمعاً وجوه :
قيل : يخاف منه نزول الصَّواعق، وطمع في نزول الغيثِ. وقيل : يخافُ المطر من يتضرر به كالمسافر، ومن في جرابه التمر والزبيب، والحب، ويطمع فيه من له فيه نفعٌ.
وقيل : يخاف منه في غير مكانه، وأمانه، يطمع فيه إذا كان في مكانه وأمانه، ومن البلدان إذا مطروا، قحطوا، وإذا لم يمطروا خصبوا.
قال ابن الخطيب :« البرقُ جسمٌ مركبٌ من أجزاء رطبة مائية، ومن أجزاء هوائية ولا شك أنَّ الغالب عليه الأجزاء المائية، والماء جسمٌ باردٌ رطبٌ، والنَّار جسم حار يابس فظُورُ الضدِّ من الضد التام على خلافِ العقل، فلا بد من صانع مختاار يظهر الضدّ من الضدّ ».