فصل
معنى الكلام : أنه تعالى بيَّن دلائل العلم بقوله :﴿ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى ﴾ [ الرعد : ٨ ]، ودلائل كمال القدرة في هذه الآية، ثم قال تعالى :﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله ﴾ يعنى أنَّ الكفار مع ظهور هذه الدلائل يجادلون في الله.
قيل : المراد بها الرَّد على الكافر يعني أربد بن ربيعة الذي قال : أخبرنا عن ربِّنا، أهو من نحاسٍ، أم من حديد، أم من درٍّ، أم من ياقوت، أم من ذهب؟ فنزلت الصاعقة من السماء؛ فأحرقته.
وقيل : المراد جدالهم في إنكار البعث، وقيل المراد الرد على جدالهم في طلب سائر المعجزات.
وقيل : المراد الرد عليهم في استنزال عذاب الاستئصال.
وسئل الحسن عن قوله :﴿ وَيُرْسِلُ الصواعق ﴾ الآية قال : كان رجلٌ من طواغيت العرب بعث إليه النبي ﷺ يقرّ بدعوته إلى الله ورسوله، فقال لهم : أخبروني عن رب محمدٍ، هذا الذي تدعُوني إليه، مِمَّ هو « من ذهبٍ، أو فضةٍ، أو حديدٍ أو نحاس؟
فاستعظم القوم مقالته، فانصرفوا إلى النبيِّ ﷺ فقالوا : يا رسول الله : ما رأينا رجُلاً أ : فر قلبا، ولا أعتى على الله منه، فقال :ﷺ :» ارجعوا إليه « فرجعوا إليه؛ فجعل لايزيدهم على مثل مقالته الأولى، وقال : أجيب محمداً إلى رب لا أراه، ولا أعرفه! وانصرفوا، وقالوا : يا رسول الله : ما زادنا على مقالته الأولى، وأخبث. فقال ﷺ :» ارجعوا إليه «، فرجعوا إليه، فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه، وهو يقول هذه المقالة، إذا ارتفعت سحابة، فكانت فوق رءوسهم، فرعدت، وبرقت ورمت بصاعقة؛ فأحرقت الكافر، وهم جلوسٌ، فجاءوا يسعون؛ ليخبروا رسول الله صلى الله عليه سلم؛ فاستقبلهم قومٌ من أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم فقالوا :» احْترَقَ صَاحبُكُم « فقالوا : من أين علمتم؟ فقالوا : أوحى الله إلى النبي ﷺ ﴿ وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال ﴾.
قوله :﴿ وَهُوَ شَدِيدُ المحال ﴾ هذه الجملة حال من الجلالة الكريمة، ويضعف استنأفها.
وقأ العام : بكسر الميم وهو القوَّة والإهلاكُ.
قال عبدالمطلب :[ الكامل ]
٣١٧٢ لا يَغْلبَنَّ صَلِبُهُمْ | ومِحَالُهُمْ عَدواً مِحَالَك |
٣١٧٣ فَرْغُ نَبْغٍ يَهتزٌ في غُصُنِ المَجْدِ | عَظيمُ النَّدى شديدُ المحالِ |
وقال أبو زيدٍ : هو النِّقمةُ. وقال ابن عرفة : هو الجدالُ، وفيه على هذا مقابلة معنوية كأنه قيل : وهم يجادلون في الله، وهو شديد المحالِ.
وقال عليٌّ رضي الله عنه : شديد الأخذ.