﴿ وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا ﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ] قالوا : دلَّت على أنه لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى، ولفظ الشيء يتناول أحد الموجودات، فلا يكون هذا اللفظ مشعراً بمعنى حسن؛ فوجب ألاَّ يجو دعاء الله بهذا اللفظ.
وتمسك من جوَّز إطلاق هذه التسمية عليه بقوله تعالى :﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ].
وأجاب الألولون : بأنَّ هذا سؤال متروك الجواب، وقوله :﴿ قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [ الأنعام : ١٩ ] مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.
فصل
تمسَّك المعتزلة بهذه الآية في أنَّه تعالى عالم لذاته لا بالعلم وقادر لذاته لا بالقدرة، وقالوا : لأنه لو حصل لله تعالى علم، وقدرة وحياة لكانت هذه الصفات إمَّا أن تحصل يخلق الله تعالى أو لا تحصل بخلق الله والأول باطل، وإلا لزم التسلسل، والثاني باطلٌ؛ لأنََّ قول الله تعالى :﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الزمر : ٦٢ ] يتناول الذات، والصفات حكمنا بدخول التخصيص في ذات الله تعالى ؛ فوجب أن يبقى على عمومه في سائر الأشياء، والقرآن ليس هو الله؛ فوجب أن يكون مخلوقاً لدخوله في هذا العموم.
والجواب أن يقال : أقصى ما في الباب أنَّ الصِّيغة عامة؛ لأن تخصيصها في حق صفات الله تعالى بالدلائل العقليَّة.
قوله تعالى :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ الآية لما شبَّه المؤمن والكافر، والإيمان، والكفر بالأعمى، والبصير، والظلمات، والنور، ضرب للإيمان، والكفر مثلاً آخر فقال :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ « أنْزلَ » يعني الله :﴿ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ يعني المطر « فَسَالتْ » من ذلك الماء :﴿ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ أي : في الصغر، والكبر ﴿ فاحتمل السيل ﴾ الذي حدث من ذلك الماء :﴿ زَبَداً رَّابِياً ﴾ الزّبد : الخبث الذي يظهر على وجه الماء وكذلك على وجه القدر « رَابِياً » أي : عالياً مرتفعاً فوق الماءِ، فالماءُ الصًّافي الباقي هو الحق، والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار، وجوانب الأودية هو الباطل.
وقيل : هذا مثل القرآن :﴿ أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ وهو القرآن، والأودية : قلوب العباد، يريد : ينزل القرآن، فيحتمل منه القلوب على قدر اليقينِ، والعقل والشك وكما أنَّ الماء يعلوهُ زيدٌ، والأجساد يخالطها خبثٌ، ثمَّ إنَّ ذلك الزبد، والخبث يذهب، ويضيع، ويبقى جوهر الماء، وجوهر الأجساد السبعة، كذلك ههنا بيانات القرآن يختلط بها شكوك وشهبات، ثمَّ إنها تزول بالآخرة وتضيع ويبقى العلم والدين والحكمة في العاقبة كذلك ههنا؟
قوله :« أوْديَةٌ » جمع وادٍ، وجمع فال على أفعلة، قال أبو البقاءِ :« شاذٌّ، ولم نسمعه في غير هذا الحرف. ووجهه : أنَّ فاعلاً قد جاء بمعنى فعيل، وكما جاء فعيل وأفعلة كَجرِيب وأجْرِبَة كذلك فاعل ».
قال شهابُ الدين :« قد سمع فَاعِلَة، وأفْعِلَة في حرفين آخرين :
أحدهما : قولهم جَائِر وِأجْوِرَة.
والثاني : نَادجٍ وأنْجِيَة ».