فإذا قالوا : شكَّ فلانٌ في الأمور أرادوا أنَّه وقف نفسه بين شيئين، فيجوزُ هذا ويجوزُ هذا فهو يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه «.
ولمَّا ذكر اختلافهم عندما جاءهم العلم ذكر في هذه الآية ما يُقَوِّي قلبه في صحَّة القرآن والنبوة.
وفي »
إن « هذه وجهان :
أظهرهما : أنَّها شرطيةٌ، واستشكلوا على ذلك أنَّ رسول الله ﷺ لم يكُن في شكٍّ قط قال الزمخشريُّ :»
فإن قلت : كيف قال لرسوله :« فإن كُنت في شكٍّ » مع قوله للكفرة :﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ [ هود : ١١٠ ] ؟ قلت : فرقٌ عظيم بين إثباته والتَّمثيل «. وقال أبو حيان : فإذا كانت شرطية فقالوا : إنَّها تدخلُ على الممكن وجوده أو المحقَّقِ وجوده، المبهم زمن وقوعه، كقوله تعالى :﴿ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون ﴾ [ الأنبياء : ٣٤ ] قال :» والذي أقوله إنَّ « إن » الشرطية تقتضي تعليق شيءٍ على شيءٍ، ولا تستلزمُ تحقُّقَ وقوعه ولا إمكانه، بل قد يكونُ ذلك في المستحيل عقلاً كقوله تعالى ﴿ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ [ الزخرف : ٨١ ]، ومستحيلٌ أن يكون له ولدٌ فكذلك مستحيلٌ أن يكون في شك، وفي المستحيل عادة كقوله تعالى :﴿ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأرض ﴾ [ الأنعام : ٣٥ ] لكنَّ وقوعها في تعليق المستحيل قليلٌ «.
ثم قال :»
ولمَّا خفي هذا الوجه على أكثر النَّاس؛ اختلفوا في تخريج هذه الآية فقال ابن عطيَّة : الصَّواب أنَّها مخاطبةٌ له، والمرادُ من سواه من أمته ممن يمكنُ أن يشُكَّ أو يعارض؛ كقوله :﴿ ياا أَيُّهَا النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين ﴾ [ الأحزاب : ١ ] وقوله :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] ويدلُّ على ذلك قوله في آخر السورة :﴿ ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي ﴾ [ يونس : ١٠٤ ] وأيضاً لو كان شاكّاً في نبوة نفسه؛ لكان شك غيره في نبوته أولى، وهذا يوجب سقوطُ الشريعة بالكلية، وأيضاً فبتقدير أن يكون شاكّاً في نبوَّةِ نفسه، فكيف يزول هذا الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم كفار، وإن كان قَدْ حصل فيهم مؤمن إلاَّ أن قوله ليس بحجة، لا سيَّما وقد تقرَّر أنهم حرَّفُوا التوراة، والإنجيل؛ فثبت أنَّ هذا الخطابَ وإن كان في الظَّاهر مع الرسول إلاَّ أنَّ المراد هو الأمة، وعلى هذا فإنَّ الناس في زمانه كانوا فرقاً ثلاثة : المصدقون، والمكذبون، والمتوقفون في أمره الشَّاكون فيه، فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال : أيُّها الإنسان :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ﴾ من الهدى على لسان محمد فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحَّة نُبوَّته «.
ولمَّا ذكر الله تعالى لهم ما يزيل الشَّك عنهم، حذَّرهم من أن يلحقوا بالقسم الثاني، وهم المكذِّبون، فقال :﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله ﴾ [ يونس : ٩٥ ] الآية.
وقيل : كنى بالشَّك عن الضِّيق.


الصفحة التالية
Icon