قوله تعالى :﴿ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ الآية لما طلبوا المعجزات من الرسول صلوات الله وسلامه عليه على سبيل الاستهزاء، وكان يتأذى من تلك الكلمات، فأِنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له وتصبيراً على سفاهتهم فقال : إن أقوام سائر الأنبياء ﷺ استهزؤوا بهم كما أن قومك يستهزئون بك ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أمهلتهم وأطلت لهم المدة بتأخير [ العقوبة ] ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ﴾ عاقبتهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ لهم؟.
والإملاء : الإمهال وإن تركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها ف يالمرعى، ومنه الملوان وهو الليل والنهار؟
قوله :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ ﴾ « مَنْ » موصولة، وصلتها « هُو قَائِمٌ » والموصول مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره : كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، ودل على هذا المحذوف، قوله ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ ونحوهن قوله ﴿ أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ [ الزمر : ٢٢ ] تقديره : كمن قسا قبله.
يدل عليه أيضاً ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله ﴾ [ الزمر : ٢٢ ] وإنما حسن حذفه كون الخبر مقابلاً للمبتدأ، وقد جاء مبيناً، كقوله ﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ ﴾ [ النحل : ١٧ ] ﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى ﴾ [ الرعد : ١٩ ].
والمعنى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، أي : حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما علمت، وجوابه محذونف، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه.
قوله ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ ﴾ يجوز أن يكون استئنافاً، وهو الظاهر، جيء به للدلالة على الخبر المحذوف كما تقدم تقريره.
وقال الزمخشري :« يجوز أن تقدر ما يقع خبر للمبتدأ ويعطف عليه :» وجَعَلُوا « وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه » جعلوا لهُ « وهو الله تعالى أي : وهو الذي يستحق العبادة ».
قال أبو حيان :« وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله تعالى ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ أي : له، وفيه حذف الخبر غير المقابل، وأكثر ما جاء الخبر مقابلاً ».
وقيل : الواو للحال، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجودة والحال أنهم جعلوا له شركاء، فأقيم الظاهر وهو « اللهُ » مقام المضمر تقريراً للإلهية وتصريحاً بها، قاله صاحب العقد.
وقال ابن عطية :« ويظهر أن القول مرتبط بقوله ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ كان التقدير : أفمن له القدرة والوحدانية، ويجعل له شريك أهل ينتقم ويعاقب أم لا؟ ».
وقيل :« وَجَعلُوا » عطف على « استُهْزِىءَ » بمعنى : وقد استهزؤوا وجعلوا.
وقال أبو البقاء :« هو معطوف على » كَسبَتْ « أي : ويجعلهم لله شركاء » ولما قر هذه الحجة زاد في الحجاج فقال :« قُلْ سمُّوهُمْ » وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر، ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال : سمه إن شئت، يعني أنه [ أخس ] من أن يسمى ويذكر، ولكن إن شئت أن تضع له أسماً فافعل، وقيل :« سموهم » : أي : صفوهم، ثم انظروا : هل هي أهلٌ أن تعبد؟ على سبيل التهديد، والمعنى : سواء سيمتموهم باسم الآلهة أو لم تسموهم فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها، ثم زاد في الحجاج.