وقال بعضهم : المراد الكل سواء كانوا من المسلمين أم من الكُفَّار؛ لأنَّهم إذا بلغُوا عدد التواتر، وقرؤوا آية من التَّوراة، والإنجيل، وتلك الآية دالة على البشارة بمقدمِ النبي ﷺ فقد حصل الغرضُ.
وقرا يحيى، وإبراهيم : الكتب بالجمع، وهي مبنيةٌ أنَّ المراد بالكتاب الجنسٌ لا كتابٌ واحد. فإن قيل : إن كتبهم قد دخلها التَّحريفُ والتَّغييرُ، فكيف يمكنُ التعويلُ عليها؟.
فالجواب : أنهم إنما حرَّفُوها لإخفاء الآيات الدَّالة على نبوَّةِ محمدٍ - ﷺ -، فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته؛ كان ذلك من أقوى الدَّلائل على صحَّة نبوَّة محمد - ﷺ - لأنَّها لمَّا بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دلَّ ذلك على أنَّها كانت في غاية الظهور.

فصل


قيل : السؤالُ كان عن القرآن، ومعرفة نُبوَّةِ الرَّسُول - ﷺ -. وقيل : السؤال راجعٌ إلى قوله ﴿ فَمَا اختلفوا حتى جَآءَهُمُ العلم ﴾ والأول أولى؛ لأنَّه الأهمُّ. ولمَّا بين هذا الطريق قال :﴿ لَقَدْ جَآءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ ﴾ أي : ثبت عنده بالآيات والبراهين القاطعة أنَّ ما أتاك هو الحق :« فلا تكُوننَّ من المُمترينَ » أي : لا مدخل للمرية فيه ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله ﴾ أي : اثبت، ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية، وانتفاء التكذيب بآيات الله؟ وروي أنَّه ﷺ قال عند نزوله :« لا أشُكُّ ولا أسْألُ بلْ أشهدُ أنَّهُ الحقُّ ».
ثم لمَّا فصَّل تعالى هذا التفصيل، بيَّن أنَّ له عباداً، قضى عليهم بالشَّقاءِ، فلا تتغيَّر، وعباداً قضى لهم بالشَّقاء، فلا تتغيَّر، وعباداً قضى لهم بالكرامة، فلا تتغير، فقال :﴿ إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ﴾.
قرأ نافعٌ وابن عامر كلمات على الجمع، والباقون : بالإفراد. فكلمات بحسب الكثرة النوعية أو الصنفية وكلمة بحسب الجنسية. والمراد بهذه الكلمة : حكمُ الله بذلك، وإخباره عنه، وخلقه في العبد مجموع القدرة، والدَّاعية الموجبة لحصول ذلك الأثر. واحتجُّوا بهذه الآية على صحَّة القول بالقضاءش والقدرِ. ثم قال :﴿ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم ﴾ أي : أنهم لا يؤمنون ألبتَّة، ولو جاءتهم الدَّلائل التي لا حدَّ لها ولا حَصْرَ؛ لأنَّ الدَّليل لا يهدي إلاَّ بإعانة الله، فإذا لم تحصيل الإعانة ضاعت تلك الدَّلائل.
القصة الثالثة
قوله تعالى :﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ ﴾ الآية.
لمَّا بيَّن بقوله :﴿ إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ﴾ أتبعه بهذه الآية؛ لأنَّها دالةٌ على أنَّ قوم يونس آمنوا بعد كفرهم، وانتفعوا بذلك الإيمان، فدلَّ ذلك على أنَّ الكُفَّار فريقان :
فريق ختم له بالإيمان.


الصفحة التالية
Icon