قوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ الآية لما ذكر في أوّل السورة :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ إبراهيم : ١ ] فكان هذا إنعاماً من الله على الرسول من حيث إنَّه فوض إليه صلوات الله وسلامه عليه هذا الأمر العظيم وإنعاماً على الخلقِ حيثُ أرسل إليهم من خلصهم من ظلمات الكفر [ إلى الرشد ]، وأرشدهم إلى نور الإيمان. ذكر في هذه الآية ما يجري مجرى تعهد النعمة، والإحسان في الوجيهن؛ أمَّا بالنسبة إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه ؛ فلأنه تعالى بين أنَّ سائر الأنبياء عليه الصلاة و السلام أجمعين كانوا مبعوثين إلى قومهم خاصة، وأنت يا محمد فمبعوث إلى عالم البشر، فكان هذا الإنعام في حقك أفضل وأكمل، وأما بالنسبة إلى عامة الخلق فهو أنه تعالى ما بعث رسولاً إلى قوم إلا بلسانهم ليسهل عليهم فهم تلك الشريعة فهذا وجه النظم.
قوله :﴿ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ يجوم أن يكون حالاً، أي : إلاَّ [ متكلماً ] بلغة قومه.
قال القرطبي :« وحَّد اللسان، وإن أضافه إلى القوم؛ لأن المراد به اللغة فهو اسم حنسٍ يقع على القليلِ، والكثير ».
وقرأ العامة :« بلِسانِ » بزنة كتابِ، أي : بلغةِ قومهِ. وقرأ أبو الجوزاء وأبو السمالِ وابو عمران الجوني : بكسر اللام وسكون السين، وفيه قولان :
أحدهما : أنَّهما بمعنى واحد، كالرِّيشِ والرِّياش.
والثاني : أنَّ اللسان يطلق على العضو المعروف وعلى اللغةِ، وأمَّا اللِّسنُ فخاص باللغة، ذكره ابن عطيَّة، وصاحب اللَّوامح.
وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، والجحدريُّ : بضم اللام والسين، وهو جمع لِسَان كَكِتَاب وكُتُب، وقرىء بسكون السين فقط، وهو تخفيفٌ للقراءة قبله، نحو « رُسْل في رُسُل »، و « كُتْب » في « كُتُب »، والهاء في « قَوْمِهِ » الظاهر عودها على « رَسُولٍ » المذكور وعن الضحاك أنَّها تعود على محمد صلوات الله وسلامه عليه وغلطوه في ذلك إذ يصير المعنى : إنَّ التوراة وغيرها أنزلت بلسان العرب ليبين لهنم النبي ﷺ التوراة.

فصل


احتجَّ بعضهم بهذه الآية على أنَّ اللُّغات اصطلاحية، فقال : لأنَّ التوقيف لجميع الرسل لا يكون إلاَّ بلغة قوم، وذلك يقتضي تقدُّم حصول اللغات على إرسال الرسل، وإذا كان كذكل؛ امتنع حصول تلك اللغات بالتوقيف؛ فوجب حصولها بالاصطلاح.
ومعنى الآية : وما أرسلنا من رسولٍ إلاَّ بلغة قومه.
فإن قيل : هذه الآية تدلُّ على أنَّ النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إنَّما بُعِثَ للعرب خاصة، فكيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله ﷺ :


الصفحة التالية
Icon