قالت المعتزلة : لا يمكن أجراءُ هذه الآية على ظاهرها لوجوه :
الأول : أنه تبارك وتعالى قال :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ أي : ليبين لهم التكاليف بلسانهم فيكون إدراكهم لذلك التبيان أسهل ووقوفهم على الغرض أكمل وهذا الكلامُ إنَّما يصحُّ إذا كان مقصود الله تعالى من إرسال الرَّسول صلوات الله وسلامه عليه حصول الإيمان للمكلفين، فلو كان مقصوده الإضلال، وخلق الكفر فيهم لم يكن ذلك الكلام ملائماً لهذا المقصود.
والثاني : أنَّه ﷺ إذا قال لهم : إنَّ الله يخلقُ الكفر والإضلال فيكم، فهلم أن يقولوا : فما لنبوتك فائدة، وما المقصود من إرسالك؟ وهل يمكننا أن نزيل كفراً خلقه الله فينا؟ وحينئذ تبطل دعوة النبوة، وتفسد بعثة الرسل.
الثالث : إذا كان الكفر حاصلاً بتخليق الله تعالى وميشئته، فيجب أن يكون الرضا به واجباً؛ لأن الرِّضا بقضاء الله واجب، وذلك لا يقوله عاقل.
الرابع : أنَّ مقدمة الآية، وهي قوله جل ذكره ﴿ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور ﴾ [ إبراهيم : ١ ] يدلُّ على العدل، وأيضاً مؤخر الآية يدلُّ عليه وهو قوله جلَّ ذكره ﴿ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ فكيف يكون حكيماً من كان خالقاً للكفر والقبائح؛ فثبت بهذه الوجوه أنَّه لا يمكن جعل قوله :﴿ فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ دليل على خلق الكفر في العبد، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه :
الأول : المراد من الإضلال هو الحكم بكونه ضالاًّ كما يقال : فلانٌ يُكفِّرُ فُلاناً ويضله أي : يحكمُ بكونه كافر ضالاً.
والثاني : أنَّ الإضلال عبارة عن الذهاب بهم عن طريق الجنَّة إلى النَّار.
والثالث : أنَّه يقال : إنه تعالى لما ترك الضّال على ضلاله، ولم يتعرض له فكأنه أضله والمهتدي أنَّه بالألطاف صار كأنه هداه.
قال الزمخشري :« والمراد بالإضلال التخلية، ومنع الإلطاف وبالهداية : اللّطف، والتَّوفيق ».
قال ابن الخطيب رحمه الله :« والجواب قوله عزَّ وجلَّ ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ لا يليق به أن يضلهم.
قلنا قال الفراء : إذا ذكر فعل، وبعده آخر، فإن كان الفعل الثَّاني مشاكلاً للأول نسقه عليه، وإن لم يكن مشاكله، استأنفه ورفعه، نظيره :