﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً ﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ] وهذا أولى لأنه موافق لأول الآية وهو قوله :﴿ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ﴾، قاله ابن الخطيب رحمه الله.
قوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ يجوز أن يكون نسقاً على :﴿ إِذْ أَنجَاكُمْ ﴾، وأن يكون منصوباً ب « اذْكُرُوا » مفعولاً لا ظرفاً.
وجوَّز فيه الزمخشري : أن يكون نسقاً على :« نِعْمةَ » فهو من قول موسى، والتقدير وإذ قال موسى اذكروا نعمة الله، واذكروا حين تأذن، وقد تقدَّم نظير ذلك في الأعراف.
ومعنى :« تَأذَّنَ » آذن ربكم إيذاناً بليغاً، أي : أعلم، يقال : أذَّن وتَأذَّن بمعنى واحد مثل : أوعد وتوعَّد، وروي ذلك عن الحسن وغيره ومنه الأذان؛ لأنه إعلام قال الشاعر :[ الوافر ]
٣١٩٥ فَلمْ نَشْعُر بضَوْسِ الصُّبْحِ حَتَّى | سَمِعْنَا في مَجَالِسنَا الأذِينَا |
فيقال :« لَئِنْ شَكرْتُم » نعمتي، وآمنتم، وأطعتم :« لأزيدَنَّكُم » في النعمة.
وقيل : لئن شكرتم بالطَّاعة « لأزيدنكم » في الثواب.
والآية نصُّ في أنَّ الشكر سبب المزيد :« ولَئِنْ كَفرتُمْ » نعتمي فجحدتموها، ولم تشكروها :« إنَّ عذَابِي لشَديدٌ ».
وقيل : المراد الكفر؛ لأن كفران النعمة لا يحصل إلا عند الجهل بكون تلك النعمة من الله تعالى.
قوله :﴿ وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ أي : غني عن خلقه حميد محمود في أفعاله.
والمعنى : أن منافع الشكر ومضار الكفر لا تعود إلا إلى الشَّاكر والكافر، أمَّا المعبود والمشكور فإنَّه متعالٍ عن أن ينتفع بالشُّكر، أو يستضر بالكفران، فلا حرم قال تعالى :﴿ وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾.
والغرض منه : بيان أنه تعالى إنَّما أمر بهذه الطَّاعات لمنافع عائدة إلى العابد لا إلى المعبود.