وهذه الآية تدلُّ على أن من يتوكل على الله في دفع عدوه كفاه الله أمر عدوه.
قوله :﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ « ذلِكَ » مبتدأ، وهو مشار به إلى توريث الأرض، ولمَنْ خَافَ « هو الخبر، و » مَقامِي « فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مقحم، وهو بعيد؛ إذ الأسماء لا تقحم.
الثاني : أنه مصدر مضاف للفاعل.
قال الفراء :» مَقامِي « مصدر مضاف لفاعله أي : مقامي عليه بالحفظ.
الثالث : أنه اسم مكان.
قال الزجاج :» مكان وقوفه بين يدي الحساب، كقوله تعالى :﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] فأضاف قيام العبد إلى نفسه، كقولك : نَدِمْتُ على ضَربِكَ، أي : على ضَرْبِي أيَّاك، و « خَافَ وعِيدِ » أي : عقابي، أثبت الياء هنا، وفي « ق » في موضعين :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ١٤ ]، ﴿ فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ ق : ٤٥ ] وصلاً، وحذفها وقفاً ورش، والباقون وصلاً ووقفاً «.
فصل
في تفسير المقام وجوه :
الأول : موقفي وهو موقف الحساب؛ لأنَّه الذي يقف فيه العباد يوم القيامة، كقوله تعالى :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [ النازعات : ١٠ ].
الثاني : أن المقام مصدر كالقيام، يقال : قَامَ قِيَاماً، ومقَاماً، أي : لمن خاف مقامي، أي : مقام العباد عندي، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
الثالث : لمن خاف مقامي، أي : لمن خافني، وذكر المقام هنا، كقولك سلامٌ على المَجْلسِ الفُلاني، والمراد : السَّلام على فلان.
قوله :﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ قال الواحدي : الوعيد اسمٌ من أوْعَد إيعَاداً وهو التَّهديد.
قال ابن عباس : خاف ما أوعدت من العذاب.
وهذا الآية تدلُّ على أنَّ الخوف من الله تعالى غير الخوف من عيده؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.