قوله :﴿ وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً ﴾ الآية لما ذكر عذاب الكفار وبطلان أعمالهم ذكر هنا كيفية حجتهم عند تمسك أتباعهم، وكيفية افتضحاهم عندهم.
و « بَرَزَ » معناه في اللغة : ظَهَرَ بَعْدَ الخفاءِ، ومنه يقال للمكانِ الواسع البرَازُ لظهوره.
وقيل : في قوله تعالى :﴿ وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ] أي : ظاهرة لا يسترها شيء وامْرأةٌ بَرْزَةٌ : إذا كانت تعظهر للنَّاس، ويقال : فلانٌ برز على أقرانه، إذا فاقهم وسبقهم، وأصله في الخيل إذا سبق أحدهما قيل : بَرَزَ عَليْهَا كأنَّهُ قد خرج من غُمارها.
وورد بلفظ الماضي وإن كان معناه الاستقبال؛ لأنَّ كل ما أخبر الله عنه فهو حقٍّ وصدق، فصار كأنه قد حصل، ودخل في الوجود، كقوله تعالى :﴿ ونادى أَصْحَابُ النار ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ].
فصل
البُرُوزُ في اللغة قد تقدَّم أنه بمعنى الظُّهور بعد الاستِتَارِ وهذا في حق الله محالٌ، فلا بد من التأويل، وهو من وجوه :
الأول : أ، هم كانوا يستترون من الغير عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا عند الله تعالى وعلموا أن الله لا يخفى عليه خافية.
والثاني : أنَّهم خرجوا من قبورهم، فبرزوا لحساب الله تعالى قالت الحكماءُ :
إنَّ النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء، وبقيت متجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها وذلك هو البروز لله تعالى.
ثم حكى أن الضعفاء يقولون للرؤساء « إنّا كنا لكم تعباً » أي : إنما اتبعناكم لهاذ اليوم « فَهلْ أنتُم مُّغنُونَ » دافعون :﴿ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ ﴾.
و « تَبَعاً » يجوز أن يكون جمع تابع، كخَادِم وخَدَم، وغَائِب وغَيَب ونَافِر ونَفَر، وحَارِس وحَرَس، ورَاصِد ورَصَد.
ويجوز أن يكون مصدراً، نحو : قَوْمٌ عَدْلٌ، ففيه التأويلات المشهورة.
قوله :﴿ مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ ﴾ في « مِنْ » و « مِنْ » [ أربعة ] أوجه :
أحدها : أنَّ « مِنْ » الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، تقديره : مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب اله، قاله الزمشخريُّ.
قال أبو حيان : هذا يقتضي التقديم في قوله :« مِنْ شيءٍ » علتى قوله :« من عذاب الله؛ لأنه جعل » من شيء « هو المبين بقوله :» من عذاب الله « و » من « التبيينية مقدم عليها ما تبينه ولا يتأخر.
قال شهاب الدِّين : كلام الزمخشري صحيح من حيث المعنى؛ فإن » من عذاب الله « لو تأخر عن » شيء « كان صفة له، ومبيناً، فلما تقدم انقلب إعرابه من الصفة إلى الحال، وأما معناه وهو البيان فباق لم يتغير.
الثاني : أن يكونا للتبعيض معاً، بمعنى : هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله؛ أي : بعض بعض عذاب الله، قاله الزمخشري.