قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً ﴾ الآية اعلم أنَّه تعالى عاد إلى وصف الكافرين فقال تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ ﴾.
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما :﴿ الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً ﴾ هم والله كفار قريش « بدَّلُوا » أي : غيروا « نعِْمةَ اللهِ » عليم في محمد صلوات الله وسلامه عليه حيث ابتعثه الله منهم كفروا به :« أحَلُّوا » أنزلوا :« قَوْمهُمْ » من على كفرهم :« دَارَ البَوارِ » الهلاك.
ثم بيَّن دار البوار فقال :﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار ﴾ المستقر، وقال عليٌّ : هم كفار قريش نُحروا يوم بدرٍ.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو [ مخزوم ]، فأما بنو أمية فمُتِّعُوا إلى حين، وأما بنو مخزوم، [ فأهلكوا ] يوم بدر قاله على ابن أبي طالب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وعن ابن عباس وقتادة رضي الله عنهما : نزلت في منتصري العرب جبلة بن الأيهم وأصحابه.
وقال الحسنُ رضي الله عنه : هي عامَّة في جميع المشركين.
قوله تعالى :﴿ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أن الأصل : بدلوا شكر نعمة الله كفراً، كقوله تعالى :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٣ ] أي شكر رزقكم؛ وجب عليهم الشكر؛ فوضعوا موضعه الكفر.
والثاني : أنَّهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنَّهم لما كفروها سلبوها، فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر حاصلاً لهم، قالهما الزمخشريُّ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف مضاف، وقد تقدَّم أن « بدَّل » يعتدى لاثنين :
أولهما : من غير حرف.
والثاني : بالباء، وأن الجمهور هو المتروكم والمنصوب هو الحاصل، ويجوز حذف الحروف فيكون المجرور بالباء هنا هو « نِعْمَةٌ » ؛ لأنها المتروكة.
وإذاً عرف أنَّ قول الحوفي، وأبي البقاءِ : أن « كُفْراً » هو المفعولُ الثاني ليس بجيد؛ لأنه هو الَّذي يصلُ إليه الفعل بنفسه لا بحرف الجر، ما كان كذا فهو المفعول الأول.
قوله :﴿ جَهَنَّمَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بدلٌ من « دَارَ ».
الثاني : أنه عطف بيان لها، وعلى هذين الوجهين؛ فالإحلال يقع في الآخرة.
الثالث : أن ينتصب على الاشتغل بفعل مقدر، وعلى هذا، فالإحلال يقع في الدُّنيا، لأن قوله :﴿ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ﴾ أي : واقع في الآخرة.
ويؤيَّدُ هذا التأويل : قراءة ابن أبي عبلة « جَهَنَّمُ » بالرفع على أنها مبتدأ، والجملة بعده الخبر.
وتحتمل قراءة ابن أبي عبلة وجهاً آخر : وهو أن ترتفع على خبر [ مبتدأ ] مضمر.
و « يَصْلونهَا » حال إمَّا من :« قَوْمَهُمْ »، وإمَّا من « دَارَ »، وإمَّا من :« جَهنَّمَ ».