قال أبو حيان : وفيه ضعفٌ، وفي قوله : معطوفةٌ على « ماذا » تجوُّزٌ، يعنى أنَّ الجملة الاستفهامية التي هي « مَاذَا فِي السماوات » في موضع المفعول؛ لأنَّ « ماذا » وحدهُ منصوبٌ ب « انظُرُوا » فتكون « مَاذَا » موصلة، و « انظُرُوا » بصرية لما تقدَّم من أنَّه لو كانت بصرية لتعدَّت ب « إِلَى ». و « النُّذُرُ » يجوزُ أن يكون جمع « نَذِير »، المرادُ به المصدر فيكون التقدير : وما تُغْنِي الآياتُ والإنذارات، وأن يكون جمع « نذير » مراداً به اسم الفاعل بمعنى منذر فيكون التقدير والمُنْذِرُونَ وهم الرُّسُلُ. وقرىء « وما يُغْنِي » بالياء.
قوله :﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ ﴾ يعني : مشركي مكَّة إلاَّ مثلَ أيَّام الذين خلوا مضوا « من قَبلِهِمْ » من مُكَذِّبي الأمم. قال قتادةُ :« يعني وقائع الله في قوم نوح، وعاد، وثمود » والعربُ تُسمِّي العذاب والنِّعم أياماً، كقوله :﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله ﴾ [ إبراهيم : ٥ ] وكُلُّ ما مضى عليك من خَيْرٍ وشرٍّ فهو أيَّام ثم إنَّه تعالى أمره بأن يقول لهم ﴿ فانتظروا إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين ﴾.
قوله :﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا ﴾ قال الزمخشريُّ : هو معطوفٌ على كلامٍ محذوف يدلُّ عليه قوله :﴿ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [ يونس : ١٠٢ ] كأنَّه قيل : نُهلكُ الأمم ثم نُنَجِّي رسلنا، معطوفٌ على حكايةِ الأحوالِ الماضية.
قرأ الكسائي في رواية « نصر » نُنْجِيط خفيفة، والباقون : مشددة، وهما لغتان، وكذلك في قوله « نُنْجِ المُؤمنينَ » والمعنى : ننجي رسلنا، والذين آمنوا معهم عند نزول العذابِ. معناه : نَجَّينَا، مستقبلٌ بمعنى الماضي، ونجَّيْنَا وأنْجَيْنَا بمعنى واحد « كذلِكَ » كما نَجَّيْناهم « حَقًّا » واجباً ﴿ عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين ﴾.
قوله :« حقّاً » فيه أوجهٌ :
أحدها : أن يكون منصوباً بفعل مُقَدَّر أي : حقَّ ذلك حقّاً.
والثاني : أن يكون بدلاً من المحذوف النَّائب عنه الكافُ تقديره : إنجاء مثل ذلك حقّاً.
والثالث : ان يكون « كذلك » و « حقًّا » منصوبين ب « نُنْجِ » الذي بعدهما.
والرابع : أن يكون « كَذلِكَ » منصوباً ب « نُنَجي » الاولى، و حقّاً ب « نُنْجِ » الثَّانية.
وقال الزمخشري : مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين منكم، ونهلك المشركين، وحقّاً علينا اعتراضٌ، يعني حقَّ ذلك علينا حقّاً.
وقرأ الكسائيُّ وحفصٌ « نُنْجي المؤمنين » مخففاً من أنجى يقال : أنْجَى ونجَّى.
كأنزل ونزَّل، وجمهور القرَّاءِ لم ينقلوا الخلاف إلاَّ في هذا دون قوله :﴿ فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾ [ يونس : ٩٢ ] ودون قوله ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا ﴾ [ يونس : ١٠٣ ]. وقد نقل أبو علي الأزهري الخلافَ فيهما أيضاً، ورسِمَ في المصاحف بجيم دون ياء.
فصل
قال القاضي : قوله « حقًّا عليْنَا » المرادث به الوجوب؛ لأنَّ تخليصَ الرَّسُول - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه - والمؤمنين من العذاب إلى الثَّواب واجبٌ، ولولاهُ ما حسن من الله تعالى أن يلزمهم الأفعال الشَّاقَّة، وهذا يجري مجرى قضاء الدَّين.
والجوابُ، بأن نقُول : إنَّه حقٌّ بحسب الوعْدِ والحُكْمِ، ولا نقُولُ إنَّهُ حقٌّ بحسب الاستحقاق لما ثبت أنَّ العبد لا يستحقُّ على خالقه شيئاً.