لمَّا قال :« وإن تولَّوْا » عن عبادة الله وطاعته، بيَّن بعده صفة ذلك التولي فقال :﴿ أَلا إِنَّهُمْ ﴾ يعني الكُفَّار ﴿ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ يقال : ثنيت الشَّيء إذا عطفته وطويته.
وقرأ الجمهور : بفتح الياء وسكون الثَّاء المثلثة، وهو مضارع « ثَنَى يَثْني ثَنْياً »، أي طوى وَزَوى، و « صُدُورهم » مفعول به، والمعنى : يَحْرفون صدورهم ووجوههم عن الحق وقبوله، والأصل « يَثْنِيُونَ » فأُعِلَّ بحذف الضَّمةِ عن الياء، ثُمَّ تحذفُ الياءُ لالتقاءِ الساكنين.
وقرأ سعيدُ بن جبير « يُثْنُون » وهو مضارع « أثْنَى » كأكرم.
واستشكل النَّاسُ هذه القراءة فقال أبُو البقاءِ : ماضيه أثنى، ولا يعرفُ في اللغةِ، إلاَّ أنْ يقال : معناه عرضُوها للانثناء، كما يقال : أبعت الفرسَ : إذا عرضته للبيع.
وقال صاحبُ اللَّوامِحِ : ولا يعرفُ الإثناء في هذا الباب، إلاَّ أن يرادَ به، وجدتُهَا مثْنِيَّة، مثل أحْمَدْتُه وأمْجَدْتُه، ولعلَّه فتح النون، وهذا ممَّا فعل بهم فيكون نصب « صُدُورَهُم » بنزع الخافض، ويجُوزُ على ذلك أن يكون « صُدُورَهُم » رفعاً على البدل بدل البعض من الكُلِّ يعني بقوله : ولعلَّهُ فتح النُّونِ أي : ولعل ابن جبير قرأ ذلك بفتح نونِ « يُثْنَون » فيكون مبنياً للمفعول، وهو معنى قوله : وهذا ممَّا فعل بهم أي وجدوا كذلك، فعلى هذا يكونُ « صُدورهُم » منصُوباً بنزعِ الخافضِ، أي : في صدورهم، أي يوجدُ الثَّنْيُ في صدورهم، ولذلك جوَّز رفعهُ على البدل كقولك : ضُربَ زيدٌ الظَّهْرُ. ومنْ جوَّز تعريف التمييز لا يبعدُ عنده أن ينتصب « صُدُورهُم » على التَّمييز بهذا التقدير الذي قدَّرهُ.
وقرأ ابنُ عبَّاسٍ، وعليُّ بنُ الحسين، وابناه زيد، ومحمد، وابنه جعفر، ومجاهد، وابن يعمر، وعبد الرحمن بن أبزى، وأبو الأسود « تَثنَوْني » مضارع « اثْنَوْنَى » على وزنِ « افْعَوْعَلَ » من الثَّنْي كاحْلَوْلى من الحَلاوةِ وهو بناءُ مبالغةٍ، « صُدُورهُم » بالرَّفع على الفاعلية.
ونُقل عن ابن عباس وابن يعمر ومجاهد وابن أبي إسحاق :« يَثْنَوْنَى صدورهم » بالياءِ والتَّاءِ؛ لأنَّ التأنيث مجازيٌّ؛ فجاز تذكيرُ الفعل باعتبار تأويل فاعله بالجمع وتأنيثه باعتبار تأويل فاعله بالجماعةِ.
وقرأ ابنُ عبَّاس أيضاً وعروة وابن أبزى والأعمش « تَثْنَوِنُّ » بفتح التاء وسكون الثَّاء وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون الأخيرة، والأصل :« تَثْنَوْنِنُ » بوزن « تَفْعَوْعِلُ » من الثِّنُّ وهو ما هشَّ وضعف من الكَلأ، يريد مطاوعة نوفسهم للثَّنْي كما يثنى الهَشُّ من النَّبات، أو أ راد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم.
و « صدورهم » بالرَّفع على الفاعلية.
وقرأ مجاهدٌ وعروة أيضاً كذلك، إلاَّ أنَّهما جعلا مكان الواو المسكورة همزة مكسورة فأخرجاها مثل « تطمئن ».


الصفحة التالية
Icon