وقيل : كان الرَّجلُ من الكُفَّار يدخل بيته، ويرخي ستره، ويحْنِي ظهرهُ، ويتغشَّى بثوبه، ويقول : هل يعلمُ الله ما في قلبي.
وقال السُّدي :« يَثْنُونَ صُدورَهُمْ » أي : يُعرضُون بقلوبهم، من قولهم : ثنيت عناني ليَسْتخْفُوا مِنهُ أي : من رسول الله - صلوات ا لله وسلامه عليه -.
وقال مجاهدٌ : من الله تعالى.
﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ يغطون رؤوسهم بثيابهم و « ألا » كلمة تنبيه أي : ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم. ثم ذكر أنَّهُ لا فائدة لهم في استخفافهم فقال سبحانه :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾.
قال الأزهري معنى الآية من أولها إلى آخرها : إنَّ الذين اضمرُوا عداوة رسُول الله ﷺ لا يخفى علينا حالهم.
وروى محمد بن جرير عن محمد بن عباد بن جعفر - رضي الله عنه -؛ أنه سمع ابن عباس يقرأ ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ قال : كان أناسٌ يستحيون أن يَخلوا فينفضوا إلى السَّماء، وأن يجامعوا نساءهم، فيفضوا إلى السَّماءِ؛ فنزل ذلك فيهم.
لمَّا ذكر أنه :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ أردفهُ بما يدلُّ على أنَّهُ تعالى عالمٌ بجيمعِ المعلومات وهو أنَّ رزق كلَّ حيوان إنَّما يصل إليه من الله؛ لأنَّه لو لم يكن عالماً بجيمع المعلُومات لما حصلت هذه المهمَّات.
قال الزجاجُ : الدَّابَّةُ : اسمٌ لكلِّ حيوان، مأخوذ من الدَّبيبِ، وبُنيتْ هذه اللفظة على هاء التأنيث، هذا موضوعها اللُّغوي، و « مِنْ » صلة، ﴿ إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا ﴾ هو المتكفِّلُ بذلك فضلاً، وهو إلى مشيئته إن شاء رزق وإن شاء لم يرزق. وقيل :« على » بمعنى « من » أي : من الله رزقها.
قال مجاهدٌ : ما جاءها من رزق فمن الله، ورُبَّما لم يرزقها حتَّى تمُوت جُوعاً. ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ قال ابنُ مقسم : ويروى عن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - « مُسْتقرَّهَا » المكانُ الذي تأوي إليه، وتستقرُّ فيه ليلاً ونهاراً « ومُسْتوْدعهَا » الموضع الذي تُدْفَنُ فيه إذا ماتت. وقال عبد الله بن مسعودٍ : المستقرُّ : أرحامُ الأمَّهات، والمستودع : أصلابُ الآباء. ورواه سعيدُ بن جبيرٍ، وعليُّ بن أبي طلحة، وعكرمةُ عن ابن عبَّاس. وقيل : المستقر : الجنة أو النار، والمستودع : القبر، لقوله تعالى في صفة الجنة، والنار ﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [ الفرقان : ٧٦ ] ﴿ سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٦ ].
﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾. قال الزَّجَّاجُ :« معناه : كلُّ ذلك ثابتٌ في علم الله ».
وقيل : كل ذلك مثبت في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقها.
قوله :﴿ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ يجوزُ أن يكونا مصدرين، أي : استقرارها واستيداعها، ويجوزُ أن يكونا مكانين، أي : مكان استقرارها واستيداعها، ويجوز أن يكون « مُستوْدعهَا » اسم مفعول لتعدِّي فعله، ولا يجوز ذلك في « مُسْتَقَر » ؛ لأنَّ فعله لازمٌ، نظيره في المصدرية قول الشاعر :[ الوافر ]
٢٩٤٤- ألَمْ تعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القَوافِي | ............................ |
و « كُلُّ » المضافُ إليه محذوفٌ تقديره : كُل دابةٍ ورزقها ومستقرُّها ومستودعُها في كتاب مبين.