قوله :﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ﴾ مبتدأ وخبر في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الخافضِ؛ لأنَّهُ متعلقٌ بقوله « لِيَبْلُوكُمْ ».
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف جاز تعليقُ فعل البلوى؟ قلتُ : لما في الاختبار من معنى العلم؛ لأنَّه طريقٌ إليه فهو ملابسٌ له كما تقولُ : انظر أيُّهم أحسنُ وجهاً، واسمع أيُّهم أحسنُ صوتاً؛ لأنَّ النَّظر والاستماع من طرق العلم؛ لأنَّه طريقٌ إليه، فهو ملابسٌ له، وقد أخذه أبو حيَّان في تمثيله بقوله :« واسْتمِعْ » فقال :« لَمْ أعلمْ أحداً ذكر أنَّ » استمع « يعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القُلُوب » سَلْ «، و » انْظُر « وفي جواز تعليق » رَأى « البصرية خلاف ».
قوله :« ولَئِن قُلْتَ » هذه لامُ التَّوطئة للقسم، و « ليَقُولنَّ » جوابه، وحذف جوابُ الشَّرط لدلالة جواب القسم عليه، و « إنَّكُم » محكيٌّ بالقول، ولذلك كُسِرَت في قراءةِ الجمهور.
وقرىء بفتحها، وفيها تأويلان ذكرهما الزمخشري :
أحدهما : أنها بمعنى « لَعَلَّ » قال : من قولهم : ائت السوق أنك تشتري لحْماً، أي : لعلَّك، أي : ولئنْ قلت لهم : لعلكم مبعوثون بمعنى توقَّعُوا بعثَكُم وظنُّوه، ولا تَبُثُّوا القول بإنكاره، لقالوا.
والثاني : أن تُضَمِّنَ قلت معنى :« ذكَرْتَ » يعني فتفتح الهمزة، لأنَّها مفعولُ « ذَكَرْتَ » قوله :﴿ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ ﴾ قد تقدَّم أنَّه قُرىء « سِحْر » و « سَاحر »، فمن قرأ « سِحْرٌ » ف « هذا » إشارةٌ إلى البَعْثِ المدلولِ عليه بما تقدَّم، أو إشارةٌ إلى القرآن، لأنَّهُ ناطقٌ بالبعثِ ومن قرأ « سَاحِر » فالإشارةُ ب « هذا » إلى النبي ﷺ، ويجوز أن يُرادَ ب « هذا » في القراءة الأولى النبيُّ ﷺ، ويكون جعلوه سِحْراً مبالغةً، أو على حذف مضاف، أي : إلاَّ ذُو سحرٍ، ويجوز أن يراد ب « سَاحِر » نفسُ القرآن مجازاً كقولهم :« شِعرٌ شاعرٌ » و « جَدَّ جَدُّهُ ».
فإن قيل : كيف يمكن وصفُ هذا القول بأنه سِحْرٌ؟
فالجواب : من وجوه.
أحدها : قال القفال : معناه أنَّ هذا القول خديعة منكم، وضَعْتُمُوهُ لمنع الناس من لذَّاتِ الدنيا وإحرازاً لهم إلى الانقيادِ لكُم والدُّخُول تحت طاعتكم.
وثانيها : أن قولهم ﴿ نْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ معناه : أنَّ السِّحر أمرٌ باطلٌ، قال تعالى حاكياً عن موسى - ﷺ - ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ ﴾ [ يونس : ٨١ ].
وثالثها : أنَّ القرآن هو الحاكمُ بحصول البعثِ، وطعنُوا في القرآن بكونه سِحْراً، والطعن في الأصل عين الطعن في الفرع.
ورابعها : قراءة حمزة والكسائي « إن هذا إلاَّ ساحرٌ » والسَّاحرُ كاذبٌ.


الصفحة التالية
Icon