٢٩٤٦- بمَنْزِلَةٍ أمَّا اللَّئِيمُ فسَامِنٌ بهَا وكرامُ النَّاسِ بادٍ شُحُوبُهَا
وقيل : إنَّما عدل عن « ضيِّق » إلى « ضَائِقٌ » ليناسب وزن « تَارِكٌ ».
والهاءُ في « به » تعود على « بعض ». وقيل : على « ما ». وقيل : على التَّكذيب و « صَدْرُكَ » مبتدأ مؤخَّرٌ، والجملةُ خبرٌ عن الكاف في « لعَلَّكَ » ؛ فيكون قد أخبر بخبرين :
أحدهما : مفرد، والثاني : جملة عطفت على مفردٍ، إذ هي بمعناه، فهو نظير :« إنَّ زيداً قائمٌ، وأبوه منطلقٌ ».
قوله :« أن يقُولُوا » في محلِّ نصبٍ أو جرٍّ على الخلاف المشهور في « أنَّ » بعد حذف حرف الجرِّ أو المضاف، تقديره : كراهة أو مخافة أن يقولوا، أو لئلاَّ يقولوا، أو بأن يقولوا.
وقال أبو البقاء : لأن يقُولُوا أي : لأن قالوا، فهو بمعنى الماضي وهذا لا حاجة إليه، وكيف يُدَّعى ذلك فيه ومعه ما هو نصٌّ في الاستقبال وهو الناصب؟.
و « لَوْلاَ » تحضيضيةٌ، وجملة التَّحضيض منصوبةٌ بالقول.

فصل


المعنى : فلعلَّك يا محمد تارك بعض ما يوحى إليك، فلا تبلغة إيَّاهم، وذلك أن كفار مكة قالوا : ائتِ بقرآن غير هذا، ليس فيه سب آلهتنا، فهمَّ النبيُّ - ﷺ - وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم - أن يدع آلهتهم ظاهراً؛ فأنزل الله تعالى :﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ ﴾ يعنى سب الآلهة :﴿ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ أي : ولعلَّ يضيق صدرك ﴿ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ ﴾ يصدِّقه، قاله عبد الله بنُ أميَّة المخزُومي.
وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّ رؤساء مكَّة قالوا : يا محمد : اجعل لنا جبال مكة ذهباً إن كنت رسولاً، وقال آخرون : ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوتك، فقال : لا أقدر على ذلك فنزلت هذه الآية.
وأجمع المسلمون على أنَّهث لا يجوزُ على الرسول - ﷺ - أن يخُون في الوَحْي والتبليغ، وأن يترك بعض ما يوحى إليه؛ لأنَّ تجويزه يُؤدِّي إلى الشَّك في كل الشرائع وذلك يقدحُ في النبوةِ، وأيضاً فالمقصودُ من الرِّسالة تبليغ التكاليف، والأحكام، فإنه لم تحصل هذه الفائدة فقد خرجت الرسالة عن أن تفيد فائدتها.
وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون المرادُ من قوله :﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ ﴾ شيئاً آخر سوى أنه فعل ذلك. وذكروا فيها وجوهاً أخر، قيل : إنَّهم كانوا لا يقبلون القرآن ويتهاونون به، فكان يضيق صدر الرسول - ﷺ - أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فأهله الله لأداء الرِّسالة، وطرح المبالاة بكلماتهم الفاجرة، وترك الالتفات إلى استهزائهم، والغرض منه التنبيه على أنه إذا أدَّى ذلك الوحي وقع في سفاهتهم، وإن لم يُؤد ذلك وقع في ترك وحي الله - تعالى - وفي إيقاع الخيانةِ، وأنه لا بد من تحمل أحد الضَّررين؛ فتحمل ضرر سفاهتهم أسهل من تحمل الخيانة في وَحْي الله، والرغض من ذكر هذا الكلام : التنبيهُ على هذه الدقيقة؛ لأنَّ الإنسان إذا علم أنَّ كلَّ واحدٍ من طرفي الفعل والترك مشتملٌ على ضررٍ عظيم، على أنَّ الضرر في جانب الترك أعظم وأقوى سهل عليه ذلك الفعل وخف.


الصفحة التالية
Icon