فصل


قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - هذه السور التي وقع بها التَّحدي سور معينه، هي سورة البقرة وآل عمران والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، ويونس وهود، فقوله تعالى :﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾ الإشارة إلى هذه السور وهذا فيه إشكال، لأنَّ هذه السُّورة مكية، وبعض السُّور المتقدمة مدنية، فكيف يمكنُ أن يكون المراد هذه العشر عند نزول هذا الكلام؟ فالأولى أن يقال التحدي وقع بمطلق السور.
فإن قيل : قد قال في سورة يونس ﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ [ يونس : ٣٨ ] وقد عجزوا عنهُ. فكيف قال ﴿ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ ﴾ فهو كرجل يقول لآخر : أعطني درهماً؛ فيعجز، فيقول : أعطني عشرة؟.
فالجوابُ : قد قيل : نزلت سورة هودٍ أولاً، وأنكر المبردُ هذا وقال : بل سورة يونس أولاً، وقال : ومعنى قوله في سورة يونس :﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ [ يونس : ٣٨ ] أي : مثله في الإخبار عن الغيب، والأحكام، والوعد والوعيد، فعجزوا، فقال لهم في سورة هودٍ : إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الإخبار، والأحكام، والوعد، والوعيد ( فأتوا بعشر سور مثله ) من غير وعْدٍ ووعيدٍ، وإنما هي مجرد بلاغة.

فصل


اختلفوا في الوجه الذي كان القرآن لأجله معجزاً، فقيل : هو الفصاحةُ وقيل : الأسلوب، وقيل : عدم التناقض، وقيل : اشتمالهُ على الإخبار عن الغيوبِ، والمختار عند الأكثرين أن القرآن معجز من جهة الفصاحة، واستدلُّوا بهذه الآية، لأنَّهُ لو كان إعجازه هو كثرة العلوم، أو الإخابر عن الغيوب، أو عدم التناقض لم يكن لقوله :« مفترياتٍ » معنى، أمَّا إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صحَّ ذلك؛ لأنَّ فصاحة الفصيح تظهر بالكلام، سواء كان الكلام صدقاً أو كذباً، ثم إنه لمَّا قرر وجه التحدِّي قال :﴿ وادعوا مَنِ استطعتم ﴾ واستعينوا بمن استطعتم ﴿ وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ يا أصحاب محمد، وقيل : لفظه جمع والمراد به الرسول - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه وحده - والمرادُ بقوله :﴿ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ﴾ أي : الكفار، يحتمل أنَّ من يدعونه من دون الله لمْ يَسْتَجِيبُوا.
قوله :﴿ فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ ﴾ « ما » يجوز أن تكون كافة مهيئة، وفي « أنزِلَ » ضميرٌ يعودُ على ﴿ مَا يوحى إِلَيْكَ ﴾ [ هود : ١٢ ]، و « بعلْم » حال أي : ملتبساً بعلمه، ويجوز أن تكون موصولة اسمية أو حرفية اسماً ل « أنّ » والخبرُ الجارُّ تقديره : فاعلموا أن تنزيله، أو أن الذي أنزل ملتبسٌ بعلمٍ.
وقرأ زيد بن علي « نزَّل » بفتح النون والزاي المشددة، وفاعل « نزَّل » ضميرُ الله تعالى، و ﴿ وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ نسقٌ على « أنَّ » قبلها، ولكن هذه مخففةٌ فاسمها محذوفٌ، وجملة النَّفي خبرها.


الصفحة التالية
Icon