والثاني : أنَّهُ منصوبٌ بإضمار فعلٍ. قال أبُو البقاء :« وقد تمَّ الكلامُ عند قوله » منهُ « و » كتابُ مُوسَى «، أي :» ويتلُو كتابَ مُوسَى « فقدَّر فعلاً مثل الملفُوظ به، وكأَنَّهُ لَمْ يَرَ الفصل بين العاطف والمعطوف، فلذلك قدَّر فعلاً ».
و « إماماً ورحمةً » منصوبان على الحالِ من « كِتابُ مُوسَى » سواءً أقرىء رفعاً أم نَصْباً.
و « أولئك » إشارةٌ إلى مَنْ كان على بيِّنة، جمع على معناها، وهذا إن أريد ب « مَنْ كَانَ » النبيُّ وصحابته - صلوات الله البر الرحيم وسلامه عليه، ورضي عن صحابته أجمعين - وإن أريد هو وحدهُ فيجوزُ أن يكون عظَّمَهُ بإشارة الجمع كقوله :[ الطويل ]

٢٩٥٢- فإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّساءَ سِواكُمُ .............................
والهاءُ في « بِهِ » يجوزُ أن تعود على « كِتَابُ مُوسَى » وهو أقربُ مذكورِ. وقيل : بالقرآن، وقيل : بمحمد ﷺ، وكذلك الهاء في « بِهِ » الثانية.
و « الأحْزَابُ » الجماعةُ التي فيها غلظةٌ، كأنَّهم لكثرتهم وصفوا بذلك، وفيه وصفُ حمار الوحش ب « حَزَابِيَة » لغلظه. والأحزابُ جمع حِزب وهو جماعة النَّاس.

فصل


قيل : في الآية حذف، والتقدير :« أفمن كان على بيَّنةٍ من ربِّهِ كمن يريدُ الحياة الدنيا وزينتها »، أو من كان على بيِّنةٍ من ربه كمن هو في الضَّلالةِ.
والمرادُ بالذي هو عليه بيِّنةٍ : النبي - صلوات الله وسلامه عليه -. ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ ﴾ أي : يتبعه من يشهد له بصدقه.
واختلفوا في هذا الشَّاهد : فقال ابنُ عبَّاسٍ، وعلقمة، وإبراهيم، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك وأكثرُ المفسِّرين - رضي الله عنهم - : إنَّه جبريل - ﷺ - وقال الحسنُ وقتادةُ : هو لسانُ رسول الله ﷺ.
وروى ابنُ جريج عن مجاهدٍ قال : هو ملك يحفظه ويسدده.
وقال الحسينُ بن ُ الفضلِ : هو القرآن ونظمه.
وقيل : هو عليّ بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - قال علي :« مَا مِنْ رجُلٍ من قريش إلاَّ ونزلت فيه آية من القرآن »، فقال له رجلٌ :« أي شيء نزل فيك » ؟ قال :« ويَتْلُوهُ شاهدٌ مِنْهُ ».
وقيل : هو الإنجيلُ. و « مِنْ قَبْلِهِ » أي : من قبل مجيء محمد ﷺ.
وقيل : من قبل نزول القرآن. ﴿ كِتَابُ موسى ﴾ أي : كان كتاب موسى ﴿ إَمَاماً وَرَحْمَةً ﴾ لمن اتَّبعهُ، أي التَّوراة، وهي مصدقةٌ للقرآن، شاهدةٌ للنبي ﷺ ﴿ أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ يعني : أصحاب محمد ﷺ.


الصفحة التالية
Icon