فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النبي ﷺ ودار حوله، فلما رآه النبي ﷺ عرف ما يريد، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه، فلما رآه أتاه وكلمه، ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزاً، ثم أتاه به فقال : ماهذه؟ قال سلمان : هذه صدقة. قال : لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون. ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزاً ولحماً، ثم أتى به النبي ﷺ فقال : ما هذا؟ قال : هذه هدية. قال : فاقعد فكل. فقعد فأكلا منها جميعا.
فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم، فقال : كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله ﷺ :« يا سلمان هم من أهل النار » فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك. فأنزل الله هذه الآية ﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ﴾.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال « سأل سلمان الفارسي النبي ﷺ عن أولئك النصارى، وما رأى من أعمالهم، قال : لم يموتوا على الإسلام. قال سلمان : فأظلمت عليَّ الأرض وذكرت اجتهادهم، فنزلت هذه الآية ﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا ﴾ فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك، ثم قال : من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك ».
وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا... ﴾ الآية. قال : فأنزل الله بعد هذا ﴿ ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجي عن علي قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : إنا هدنا إليك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك، ولم تسمت النصارى بالنصرانية، من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية، والنصارى بالنصرانية، إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك، فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية.