وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض، فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي، وقالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر. وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإِيمان، فعرفا أن السحر من الكفر، فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه، فإن تعلمه خرج منه النور، فينظر إليه ساطعاً في السماء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة أنها قالت : قدمت على امرأة من أهل دومة الجندل تبتغي رسول الله ﷺ بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به. قالت : كان لي زوج غاب عني، فدخلت على عجوز فشكوت إليها، فقالت : إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا : ما جاء بك؟ فقلت : أتعلم السحر. فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي. فأبيت وقلت : لا. قالا : فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ثم ائتي، فذهبت، فاقشعر جلدي وخفت، ثم رجعت إليهما فقلت : قد فعلت. فقالا : ما رأيت؟ فقلت : لم أر شيئاً. فقالا : كذبت، لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك، فأبيت.
فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي به وذهبت فبلت فيه، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني حتى ما أراه، وجئتهما فقلت : قد فعلت. فقالا : فما رأيت؟ فقلت : رأيت فارساً مقنعاً خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه. قالا : صدقت، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي. فقلت للمرأة : والله ما أعلم شيئاً ولا قالا لي شيئاً. فقالت : لا، لم تريدي شيئاً إلا كان خذي هذا القمح فابذري، فبذرت وقلت اطلعي فاطلعت، وقلت احقلي فاحقلت، ثم قلت افركي فأفركت، ثم قلت ايبسي فأيبست، ثم قلت اطحني فأطحنت، ثم قلت اخبزي فأخبزت، فلما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي، وندمت والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئاً ولا أفعله أبداً، فسألت أصحاب رسول الله ﷺ وهم يومئذ متوافرون، فما دروا ما يقولون لها، وكلهم خاف أن يفتيها بما لا يعلمه، إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده، لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك.