ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلاً تحت دوحة قريباً من زمزم، فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد، ثم قال : يا اسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال : فاصنع ما أمرك. قال : وتعينني... ؟ قال : وأعينك... قال : فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال : فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
قال معمر : وسمعت رجلاً يقول : كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر : وسمعت رجلاً يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير.
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال : أوحى الله تعالى إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام، فركب إبراهيم البراق وجعل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وهاجر خلفه، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة، فأنزل اسماعيل وأمه إلى جانب البيت، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت، وهو يومئذ ابن مائة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه، وتوفي اسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر، وولي ثابت بن اسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم.
وأخرج الديلمي عن علي عن النبي ﷺ في قوله ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت... ﴾ الآية. قال « جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم، ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها ».
وأخرج ابن أبي شيبة واسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب. أن رجلاً قال له : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال : لا، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعاً فلم يدر كيف يبنيه، فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوّقت له على موضع البيت، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم، فلمّا بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل : اذهب فالتمس لي حجراً أضعه ههنا. فذهب اسماعيل يطوف في الجبال، فنزل جبريل بالحجر فوضعه، فجاء اسماعيل فقال : من أين هذا الحجر؟! قال : جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا : أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه، فخرج رسول الله ﷺ من قبل باب بني شيبة، فأمر بثوب فبسط، فأخذ الحجر فوضعه في وسطه، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلاً يأخذ بناحية الثوب فرفعوه، فأخذه رسول الله ﷺ بيده فوضعه في موضعه.


الصفحة التالية
Icon