﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فوِّل وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ]. و ﴿ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ] قال : فقال المنافقون : حن محمد إلى أرضه وقومه، وقال المشركون : أراد محمد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة، وعرف أن ديننا أهدى من دينه. وقال اليهود للمؤمنين : ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة، قبلة موسى ويعقوب والأنبياء، والله إن أنتم إلا تفتنون. وقال المؤمنون : لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا؟ قال : فأنزل الله تعالى في ذلك ﴿ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ﴾ إلى قوله ﴿ إن الله بالناس لرؤوف رحيم ﴾ «.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال » كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص، صلت الأنصار نحو الكعبة حولين قبل قدوم النبي ﷺ، وصلى نبي الله بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام فقال في ذلك قائلون من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده؟! قال الله تعالى ﴿ قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ وقال أناس من أناس : لقد صرفت القبلة إلى البيت الحرام فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى؟ فأنزل الله ﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] وقد يبتلي الله عباده بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وكل ذلك مقبول في درجات في الإِيمان بالله والاخلاص، والتسليم لقضاء الله «.
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال : صلينا إحدى صلاتي العشي، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة، فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة، فحوّل أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان.
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال : جاءنا منادي رسول الله ﷺ فقال » إن القبلة قد حوّلت إلى بيت الله الحرام، وقد صلى الإِمام ركعتين فاستداروا، فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة «.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال » صلّيت القبلتين مع رسول الله ﷺ فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر، فاستدار رسول الله ﷺ بنا فاستدرنا معه «.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ﴿ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ﴾ قال : يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتن.