فلما حج آدم عليه السلام وضع الحجر الأسود على أبي قبيس، فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم كما يضيء القمر، فلما كان قبيل الإِسلام بأربع سنين، وقد كان الحيض والجنب يعمدون إليه يمسحونه فاسود، فأنزلته قريش من أبي قبيس، وحج آدم من الهند أربعين حجة إلى مكة على رجليه.
وكان آدم حين اهبط يمسح رأسه السماء، فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع، ونفرت من طوله دواب البر فصارت وحشاً يومئذ، وكان آدم وهو على ذلك الجبل قائماً يسمع أصوات الملائكة، ويجد ريح الجنة. فهبط من طوله ذلك إلى ستين ذراعاً، فكان ذلك طوله حتى مات، ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام، وأنشأ آدم يقول : رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك، آكل فيها رغداً وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة، وأراهم كيف يحفون بعرشك، وأجد ريح الجنة وطيبها، ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعاً، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة فأجابه الله تبارك وتعالى : لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك.
فلما رأى عري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشاً من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل الله من الجنة، فأخذ آدم كبشاً وذبحه، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجته هو، فنسج آدم جبة لنفسه، وجعل لحواء درعاً وخماراً فلبساه، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت « جمعاً » وتعارفا بعرفة فسميت « عرفة » وبكيا عل ما فاتهما مائة سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم، ولم يقرب حواء مائة سنة.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس. أن آدم كان لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه الله العربية وتكلم بالسريانية، فلما تاب رد عليه العربية.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن مجاهد قال : أوحى الله إلى الملكين : أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما عصياني، فالتفت آدم إلى حواء باكياً وقال : استعدي للخروج من جوار الله هذا أول شؤم المعصية، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الاكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول : العفو العفو فقال الله : فراراً مني؟ فقال : بل حياء منك يا سيدي.
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن عطاء. أن آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجداً، فمكث أربعين سنة لا يرفع رأسه.


الصفحة التالية
Icon