وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ كان معسكراً وأن رجلاً من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام حتى اشتد الأمر بينهما، فبلغ ذلك عبدالله بن أبيّ، فخرج فنادى : غلبني على قومي من لا قوم له، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ سيفه ثم خرج عامداً ليضربه، فذكر هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ [ الحجرات : ١ ] فرجع حتى دخل على النبي ﷺ فقال : ما لك يا عمر؟ قال : العجب من ذلك المنافق، يقول غلبني على قومي من لا قوم له، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال النبي ﷺ : قم فناد في الناس يرتحلوا، فارتحلوا فساروا حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة، فعجل عبدالله بن عبدالله بن أبيّ حتى أناخ بجامع طرق المدينة، ودخل الناس حتى جاء أبوه عبدالله بن أبيّ فقال : وراءك. فقال : ما لك ويلك؟ قال : والله لا تدخلها أبداً إلا أن يأذن رسول الله، وليعلمن اليوم من الأعز من الأذل. فرجع حتى لقي رسول الله ﷺ فشكا إليه ما صنع ابنه. فأرسل إليه النبي ﷺ أن خلِّ عنه حتى يدخل ففعل، فلم يلبثوا إلا أياماً قلائل حتى اشتكى عبدالله فاشتد وجعه فقال لابنه عبدالله : يا بني ائت رسول الله ﷺ فادعه فإنك إذ أنت طلبت ذلك إليه فعل. ففعل ابنه فأتى رسول الله ﷺ، فقال له : يا رسول إن عبدالله بن أبيّ شديد الوجع، وقد طلب إليّ أن آتيك فتأتيه فإنه قد اشتاق إلى لقائك، فأخذ نعليه فقام، وقام معه نفر من أصحابه حتى دخلوا عليه، فقال لأهله حين دخل النبي ﷺ : أجلسوني، فأجلسوه فبكى، فقال رسول الله ﷺ : أجزعاً يا عدو الله الآن؟ فقال : يا رسول الله إني لم أدعك لتؤنبني، ولكن دعوتك لترحمني، فاغرورقت عينا رسول الله ﷺ فقال : ما حاجتك؟ قال : حاجتي إذا أنا مت أن تشهد غسلي وتكفني في ثلاثة أثواب من ثيابك، وتمشي مع جنازتي، وتصلي عليّ. ففعل رسول الله ﷺ، فنزلت هذه الآية بعد ﴿ ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ﴾ [ التوبة : ٨٤ ] ».


الصفحة التالية
Icon