وأخرج أحمد عن أبي الجلد، أن عيسى عليه السلام قال للحواريين : بحق أقول لكم : ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا : يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما! قال : لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح جزائنها بيده فاعطاكم، ولو أردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك.
وأخرج أحمد عن أبي عبيدة، أن الحواريين قالوا لعيسى : ماذا نأكل؟ قال : تأكلون خبز الشعير، وبقل البرية. قالوا : فماذا نشرب؟ قال : تشربون ماء القراح. قالوا : فماذا نتوسد؟ قال : توسدوا الأرض قالوا : ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد! قال : بهذا تنجون ولا تَحُلّون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا : وكيف يكون ذلك؟ قال : ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وان كانت شعيراً، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحاً، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض.
وأخرج أحمد عن عطاء، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال : تَرَجَّ ببلاغة، وتيقظ في ساعات الغفلة، واحكم بلطف الفطنة، لا تكن حَلْساً مطروحاً وأنت حي تتنفس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال : كان عيسى عليه السلام يقول : يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل، واتخذوا المساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واخرجوا من الدنيا بسلام.
وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي إن عيسى عليه السلام قال : اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : بيتي المسجد، وطيبي الماء، وادامي الجوع، وشعاري الخوف، ودابتي رجلاي، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي بالليل القمر، وجلسائي الزمنى والمساكين، وامسي وليس لي شيء، وأُصبحُ وليس لي شيء، وأنا بخير فمن أغنى مني.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال : قال عيسى : بطحت لكم الدنيا، وجلستم على ظهرها، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء. فاما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم. وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة.
وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال : قال المسيح عليه السلام : إنما تطلب الدنيا لِتُبرَّ فتركها ابرُّ.
وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى ابن مريم : والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث : شغل لا ينفك عناه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه. الدنيا طالبة ومطلوبة. فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه.