فلم يزل الناس برسول الله ﷺ الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله ﷺ، فلبس لامته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة ثم خرج عليهم. وقد ندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله ﷺ ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله ﷺ « ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل ».
فخرج رسول الله ﷺ في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد تحوّل عنه عبدالله بن أبي بثلث الناس، ومضى رسول الله ﷺ حتى سلك في حرة بني حارثة، فذب فرس بذنبه فأصاب ذباب سيفه فاستلَّه فقال رسول الله ﷺ وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف « شمَّ سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم ».
ومضى رسول الله ﷺ حتى نزل بالشعب من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وتعبَّأ رسول الله ﷺ للقتال وهو في سبعمائة رجل، وأمَّر رسول الله ﷺ على الرماة عبد الله بن جبير والرماة خمسون رجلاً فقال :« انضح عنا الجبل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كان علينا أو لنا فأنت مكانك لنؤتين من قبلك وظاهر رسول الله ﷺ بين درعين ».
وأخرج ابن جرير عن السدي « أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه يوم أحد أشيروا عليّ ما أصنع؟ فقالوا : يا رسول الله ﷺ اخرج إلى هذه الأكلب فقالت الأنصار : يا رسول الله ما غلبنا عدوّ لنا أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا. فدعا رسول الله ﷺ عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال : يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب، وكان رسول الله ﷺ يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة، فأتى النعمان بن مالك الأنصاري فقال : يا رسول الله لا تحرمني الجنة فقال له : بم؟ قال : بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، واني لا أفر من الزحف قال : صدقت. فقتل يؤمئذ.
ثم إن رسول الله ﷺ دعا بدرعه فلبسها، فلما رأوه وقد لبس السلاح ندموا وقالوا : بئسما صنعنا نشير على رسول الله ﷺ والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيت فقال : رأيت القتال وقال رسول ﷺ : لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل ».