فقال المشركون : ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام، وقد قتلتم في الشهر الحرام؟ فأنزل الله ﴿ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ﴾ إلى قوله ﴿ أكبر عند الله ﴾ من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي ﴿ والفتنة ﴾ التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك ﴿ أكبر من القتل ﴾.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة « أن رسول الله ﷺ بعث سرية من المسلمين، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة، فوجدوا فيها عمرو بن الحضرمي في عبر تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم : هذه غرة من عدوّ وغنم رزقتموه، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا. وقال قائل : لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أوّل قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي ﷺ بالمدينة فقالوا : أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى ﴿ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله... ﴾ إلى آخر الآية. فحدثهم الله في كتابه : إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك، فمن صدهم عن سبيل الله حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله ﷺ، وكفرهم بالله وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنتهم إياهم عن الدين، فبلغنا أن النبي ﷺ عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل الله تعالى ﴿ براءة من الله ورسوله ﴾ [ التوبة : ١ ].
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا »
لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي أوّل ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله، فأنزل الله ﴿ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه... ﴾ الآية. قال الزهري : فكان النبي ﷺ فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل بعد «.
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال »
بعث رسول الله ﷺ عبد الله بن جحش إلى نخلة فقال له : كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتاباً قبل أن يعلمه أنه يسير فقال : اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه، فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على الذهاب معك، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه : أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما اتصل إليك منهم.


الصفحة التالية
Icon