فقال بعضهم : نافقوا. وقال بعضهم : لم ينافقوا، إنهم مسلمون. فأنزل الله ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين... ﴾ الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة عن عبد الرحمن. أن نفراً من طوائف العرب هاجروا إلى رسول الله ﷺ، فمكثوا معه ما شاء الله أن يمكثوا، ثم ارتكسوا فرجعوا إلى قومهم، فلقوا سرية من أصحاب رسول الله ﷺ، فعرفوهم فسألوهم ما ردكم؟ فاعتلوا لهم فقال بعض القوم لهم : نافقتم، فلم يزل بعض ذلك حتى فشا فيهم القول، فنزلت هذه الآية ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين ﴾ قال : قوم خرجوا من مكة حتى جاؤوا المدينة، يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي ﷺ إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون فقائل يقول : هم منافقون. وقائل يقول : هم مؤمنون، فبين الله نفاقهم، فأمر بقتلهم، فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويمر الأسلمي وبينه وبين محمد عليه السلام حلف، وهو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين أو يقاتل قومه، فدفع عنهم بأنهم يؤمون هلالاً وبينه وبين النبي ﷺ عهد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين ﴾ قال : ذكر لنا أنهما كانا رجلين من قريش، كانا مع المشركين بمكة، وكانا قد تكلما بالإسلام ولم يهاجرا إلى النبي ﷺ، فلقيهما ناس من أصحاب رسول الله ﷺ وهما مقبلان إلى مكة، فقال بعضهم : إن دماءهما وأموالهما حلال. وقال بعضهم : لا يحل ذلك لكم. فتشاجروا فيهما، فانزل الله ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين ﴾ حتى بلغ ﴿ ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم ﴾.
وأخرج ابن جرير عن معمر بن راشد قال : بلغني أن ناساً من أهل مكة كتبوا إلى النبي ﷺ أنهم قد أسلموا، أو كان ذلك منهم كذباً، فلقوهم فاختلف فيهم المسلمون فقالت طائفة : دماؤهم حلال. وطائفة قالت : دماؤهم حرام. فأنزل اله ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين ﴾.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال : هم ناس تخلفوا عن نبي الله ﷺ، وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا، فاختلف فيهم أصحاب رسول الله ﷺ، فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله ﷺ وتبرأ من ولايتهم آخرون، وقالوا : تخلفوا عن رسول الله ﷺ ولم يهاجروا فسماهم الله منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم، وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا.


الصفحة التالية
Icon