ففر أصحابه فقال مرداس : إني مؤمن وعلى متبعكم. فصبحته الخيل غدوة، فلما لقوه سلم عليهم مرداس، فتلقاه أصحاب النبي ﷺ فقتلوه، وأخذوا ما كان معه من متاع، فأنزل الله في شأنه ﴿ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ﴾ لأن تحية المسلمين السلام، بها يتعارفون، وبها يحيي بعضهم بعضاً.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله... ﴾ الآية. قال « بعث رسول الله ﷺ سرية عليها أسامة بن زيد إلى بني ضمرة، فلقوا رجلاً منهم يدعى مرداس بن نهيك معه غنم له وجمل أحمر، فلما رآهم أوى إلى كهف جبل واتبعه أسامة، فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل إليهم فقال : السلام عليكم، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشد عليه أسامة فقتله من أجل جمله وغنيمته، وكان النبي ﷺ إذا بعث أسامة أحب أن يثني عليه خير ويسأل عنه أصحابه، فلما رجعوا لم يسألهم عنه، فجعل القوم يحدثون النبي ﷺ، ويقولون : يا رسول الله لو رأيت أسامة ولقيه رجل فقال الرجل : لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ، فشد عليه فقتله وهو معرض عنهم، فلما أكثروا عليه رفع رأسه إلى أسامة فقال : كيف أنت ولا إله إلا الله؟ فقال : يا رسول الله إنما قالها متعوذاً تعوذ بها. فقال له رسول الله ﷺ : هلا شققت عن قلبه فنظرت إليه... ! فأنزل الله خبر هذا، وأخبر إنما قتله من أجل جمله وغنمه، فذلك حين يقول ﴿ تبتغون عرض الحياة الدنيا ﴾ فلما بلغ ﴿ فمن الله عليكم ﴾ يقول : فتاب الله عليكم، فحلف أسامة أن لا يقاتل رجلاً يقول لا إله إلا الله بعد ذلك الرجل، وما لقي من رسول الله ﷺ فيه ».
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الحسن « أن ناساً من أصحاب رسول الله ﷺ ذهبوا يتطرقون، فلقوا أناساً من العدو فحملوا عليهم فهزموهم، فشد رجل منهم فتبعه رجل يريد متاع، فلما غشيه بالسنان قال : إني مسلم، إني مسلم. فأوجره السنان فقتله وأخذ متيعه، فرفع ذلك إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ للقاتل : أقتلته بعد أن قال إني مسلم؟! يا رسول الله إنما قالها متعوّذاً. قال : أفلا شققت عن قلبه؟ قال : لمَ يا رسول الله؟ قال : لتعلم أصادق هو أو كاذب! قال : وكنت عالم ذلك يا رسول الله؟ قال رسول الله ﷺ : إنما كان يعبر عنه لسانه، إنما كان يعبر عنه لسانه. قال : فما لبث القاتل أن مات، فحفر له أصحابه، فأصبح وقد وضعته الأرض، ثم عادوا فحفروا له، فأصبح وقد وضعته الأرض إلى جنب قبره. قال الحسن : فلا أدري كم قال أصحاب رسول الله ﷺ كم دفناه، مرتين أو ثلاثة، كل ذلك لا تقبله الأرض، فلما رأينا الأرض لا تقبله أخذنا برجليه فألقيناه في بعض تلك الشعاب، فأنزل الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا ﴾ أهل الإسلام إلى آخر الآية. قال الحسن : أما والله ما ذاك أن تكون الأرض تجن من هو شر منه، ولكن وعظ الله القوم أن لا يعودوا ».