﴿ لا خير في كثير من نجواهم ﴾ [ النساء : ١١٤ ] فلما فضح الله طعمة بالقرآن بالمدينة هرب حتى أتى مكة فكفر بعد إسلامه، ونزل على الحجاج بن علاط السلمي، فنقب بيت الحجاج، فأراد أن يسرقه، فسمع الحجاج خشخشته في بيته وقعقعة جلود كانت عنده، فنظر فإذا هو بطعمة فقال : ضيفي وابن عمي فأردت أن تسرقني؟ فأخرجه فمات بحرة بني سليم كافراً، وأنزل الله فيه ﴿ ومن يشاقق الرسول ﴾ [ النساء : ١١٥ ] إلى ﴿ وساءت مصيراً ﴾ [ النساء : ١١٥ ]. وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : استودع رجل من الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع فغاب، فلما قدم الأنصاري فتح مشربته فلم يجد الدرع، فسأل عنها طعمة بن أبيرق فرمى بها رجلاً من اليهود يقال له زيد بن السمين، فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه، فلما رأى ذلك قومه أتوا النبي ﷺ، فكلموه ليدرأ عنه، فهم بذلك، فأنزل الله ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ﴾ إلى قوله ﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ يعني طعمة بن أبيرق وقومه ﴿ ها أنتم هؤلاء جادلتم ﴾ إلى قوله ﴿ يكون عليهم وكيلاً ﴾ محمد ﷺ وقوم طعمة ﴿ ثم يرم به بريئاً ﴾ يعني زيد بن السمين ﴿ فقد احتمل بهتاناً ﴾ طعمة بن أبيرق ﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته ﴾ لمحمد ﷺ ﴿ لهمت طائفة ﴾ قوم طعمة ﴿ لا خير في كثير ﴾ [ النساء : ١١٤ ] الآية للناس عامة ﴿ ومن يشاقق الرسول ﴾ [ النساء : ١١٥ ] قال : لما أنزل القرآن في طعمة بن أبيرق لحق بقريش ورجع في دينه، ثم عدا على مشربة للحجاج بن علاط البهري فنقبها، فسقط عليه حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة، فخرج فلقي ركباً من قضاعة، فعرض لهم فقال : ابن سبيل منقطع به. فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق، فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات. فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله ﴿ إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به ﴾ [ النساء : ١١٦ ].
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار، استودع درعاً فجحدها صاحبها، فلحق به رجال من أصحاب النبي ﷺ، فغضب له قومه وأتوا نبي الله ﷺ فقالوا : خوّنوا صاحبنا وهو أمين مسلم، فأعذره يا نبي الله وازجر عنه، فقام النبي ﷺ فعذره وكذب عنه وهو يرى أنه بريء وأنه مكذوب عليه، فأنزل الله بيان ذلك فقال ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾ إلى قوله ﴿ أمن يكون عليهم وكيلاً ﴾ فبين خيانته فلحق بالمشركين من أهل مكة وارتد عن الإسلام، فنزل فيه


الصفحة التالية
Icon