وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الطفيل قال : كنت بالكوفة فقيل : قد خرج الدجال فأتينا حذيفة بن أسيد فقلت : هذا الدجال قد خرج؟ فقال اجلس فجلست، فنودي أنها كذبة صباغ فقال حذيفة : إن الدجال لو خرج زمانكم لرمته الصبيان بالخزف، ولكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتُطْوَى له الأرض طيّ فروة الكبش، حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها، ثم جبل إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم : ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم، فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال ويهزم أصحابه.
وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :« يخرج الدجال فليبث في أمتي ما شاء الله يلبث أربعين، ولا أدري ليلة أو شهراً أو سنة. قال : ثم يبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعد الثقفي، فيطلبه حتى يهلكه، ثم يبقى الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يبعث الله ريحاً باردة تجيء من قبل الشام، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضت روحه، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه، سمعت هذه من رسول الله ﷺ كبد جبل، ثم يبقى شرار الناس من لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، في خفة الطير وأحلام السباع، فيجيئهم الشيطان فيقول : ألا تستحيون؟ فيقولون : ما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور ».
وأخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال :« خطبنا رسول الله ﷺ فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه، فكان من قوله أن قال : إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وأنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي.
إنه يبدأ فيقول : أنا نبي ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول : أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور وإن ربكم تعالى ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم، وإن من فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول له : نعم. فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان : يا بني اتبعه فإنه ربك. وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين، ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له رباً غيري فيبعثه الله فيقول له الخبيث : من ربك؟ فيقول : ربي الله وأنت عدوّ الله الدجال، والله ما كنت أشد بصيرة بك مني اليوم.
وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وادره ضروعاً، وأنه لا يبقى من الأرض شيء إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من نقابها إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنقي الخبث منها كما ينقي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص.
فقالت أم شريك بنت أبي العسكر : يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال : هم قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى : أقيموا الباب، فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، ويقول عيسى : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لدّ الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء ما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله الشيء، لا حجر ولا شجر ولا دابة ولا حائط إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قالت : يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله.
قال رسول الله ﷺ : وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بها الآخر حتى يمسي، فقيل له : يا رسول الله كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال : تقدرون فيها للصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال ثم صلوا. قال رسول الله ﷺ : ليكونن عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في في الحية فلا تضره، وينفر الوليد الأسد فلا يضره، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من المسلم كما يملأ الإناء من الأناء، وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كثاثور الفضة، تنبت نباتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب يشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات.
قيل : يا رسول الله وما يرخص الفرس؟ قال : لا يركب لحرب أبداً. قيل له : فما يغلي الثور؟ قال : لحرث الأرض كلها. وإن قبل خرج الدجال ثلاث شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقي ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله. قيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال : التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام ».