وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال « لما نزلت في البقرة ﴿ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] شربها قوم لقوله منافع للناس وتركها قوم لقوله إثم كبير منهم عثمان بن مظعون، حتى نزلت الآية التي في النساء ﴿ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾ [ النساء : ٤٣ ] فتركها قوم وشربها قوم، يتركونها بالنهار حين الصلاة ويشربونها بالليل، حتى نزلت الآية التي في المائدة ﴿ إنما الخمر والميسر... ﴾ الآية. قال عمر : أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعداً لك وسحقاً، فتركها الناس ووقع في صدور أناس من الناس منها، فجعل قوم يمر بالراوية من الخمر فتخرق فيمر بها أصحابها فيقولون : قد كنا نكرمك عن هذا المصرع، وقالوا : ما حرم علينا شيء أشد من الخمر، حتى جعل الرجل يلقى صاحبه فيقول : إن في نفسي شيئاً. فيقول له صاحبه : لعلك تذكر الخمر. فيقول : نعم. فيقول : إن في نفسي مثل ما في نفسك، حتى ذكر ذلك قوم واجتمعوا فيه فقالوا : كيف نتكلم ورسول الله ﷺ شاهد، وخافوا أن ينزل فيهم، فأتوا رسول الله ﷺ وقد أعدوا له حجة، فقالوا : أرأيت حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وعبد الله بن جحش أليسوا في الجنة؟ قال : بلى. قالوا : أليسوا قد مضوا وهم يشربون الخمر؟ فحرم علينا شيء دخلوا الجنة وهم يشربونه. فقال : قد سمع الله ما قلتم، فإن شاء أجابكم، فأنزل الله ﴿ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ﴾ قالوا : انتهينا، ونزل في الذين ذكروا حمزة وأصحابه ﴿ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا... ﴾ الآية ».
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ﴿ يسألونك عن الخمر والميسر ﴾ قال : الميسر. هو القمار كله ﴿ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ﴾ قال : فذمهما ولم يحرمهما وهي لهم حلال يومئذ، ثم أنزل هذه الآية في شأن الخمر وهي أشد منها فقال ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾ [ النساء : ٤٣ ] فكان السكر منها حراماً، ثم أنزل الآية التي في المائدة ﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام... ﴾ إلى قوله ﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ فجاء تحريمها في هذه الآية، قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : أول ما نزل تحريم الخمر ﴿ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير... ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ] الآية. فقال بعض الناس : نشربها لمنافعها التي فيها، وقال آخرون لا خير في شيء فيه إثم، ثم نزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾ [ النساء : ٤٣ ] الآية. فقال بعض الناس : نشربها ونجلس في بيوتنا، وقال آخرون : لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة مع المسلمين، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر.


الصفحة التالية