﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد ﴾ [ الفرقان : ١٢ ] زفرت زفرة فلا يبقي ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا صديق منتخب، ولا شهيد مما هنالك الآخر جاثياً على ركبتيه، ثم تزفر الثانية زفرة فلا يبقى قطرة من الدموع إلا بدرت، فلو كان لكل آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبياً لظن أنه سيواقعها، ثم تزفر الثالثة زفرة فتنقطع القلوب من أماكنها، فتصير بين اللهوات والحناجر، ويعلو سواد العيون بياضها، ينادي كل آدمي يومئذ يا رب نفسي نفسي، لا أسألك غيرها، حتى أن إبراهيم ليتعلق بساق العرش ينادي : يا رب نفسي نفسي، لا أسألك غيرها، ونبيكم ﷺ يقول : يا رب أمتي أمتي، لا همة له غيركم، فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم ﴿ ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ﴾ طاشت الأحلام وذهلت العقول، فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها ﴿ نزعنا من كل أمة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله ﴾ [ القصص : ٧٥ ] وأما قوله تعالى ﴿ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ﴾ [ الزمر : ٣١ ] فيؤخذ للمظلوم من الظالم، وللمملوك من المالك، وللضعيف من الشديد، وللجماء من القرناء حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه، فإذا أدى إلى كل ذي حق حقه أمر بأهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، اختصموا فقالوا : ربنا هؤلاء أضلونا ﴿ ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار ﴾ [ ص : ١٦ ] فيقول الله تعالى ﴿ لا تختصموا لديَّ وقد قدمت إليكم بالوعيد ﴾ [ ق : ٣٨ ] إنما الخصومة بالموقف، وقد قضيت بينكم بالموقف، فلا تختصموا لدي. وأما قوله ﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم ﴾ [ يس : ٦٥ ] فهذا يوم القيامة، حيث يرى الكفار ما يعطي الله أهل التوحيد من الفضائل والخير. يقولون : تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين، فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن : وتشهد الأرجل تصديقاً للأيدي، ثم يأذن الله للأفواه فتنطق ﴿ فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ﴾ [ فصلت : ٢١ ].


الصفحة التالية
Icon