ثلثاً نهى، وثلثاً قالوا ﴿ لم تعظون ﴾ وثلثاً أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم، فجعلوا يقولون : إن للناس شأناً فانظروا ما شأنهم، فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وأنه لقرد، والمرأة بعينها وانها لقردة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة قال : جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره فقلت : ما يبكيك يا ابن عباس؟ فقال : هؤلاء الورقات. وإذا في سورة الأعراف قال : تعرف أيلة؟ قلت : نعم. قال : فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سمانا كأنها الماخض، فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام. فقالت : ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمين، وتنحَّت واعتزلت طائفة ذات اليسار، وسكتت وقال الأيمنون : ويلكم... ؟ لا تتعرضوا لعقوبة الله، وقال الأيسرون ﴿ لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ﴾ قال الأيمنون :﴿ معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ﴾ ان ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وأن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم. فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون : قد فعلتم يا أعداء الله، والله لنبايننَّكم الليلة في مدينتكم. والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا، فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلاً، فالتفت إليهم فقال : أي عباد الله قردة والله تعاوى لها أذناب... ! ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الانس ولا تعرف الانس أنسابها من القردة، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الانس فتشم ثيابه وتبكي، فيقول ألم ننهكم فتقول برأسها : أي نعم. ثم قرأ ابن عباس ﴿ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس ﴾ قال : أليم وجيع. قال : فارى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها. قلت : أي جعلني الله فداك، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا ﴿ لم تعظون قوماً الله مهلكهم ﴾ قال : فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين.