وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ﴾ قال « أقبلت عير أهل مكة من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله ﷺ يريد العير، فبلغ أهل مكة ذلك فخرجوا فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها رسول الله ﷺ وأصحابه، فسبقت العير رسول الله ﷺ، وكان الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخصر نفراً، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله ﷺ، سار رسول الله ﷺ بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي ﷺ والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم، يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين، وأمطر الله عليهم مطراً شديداً فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان واشف الرمل من إصابة المطر، ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم، وأمد الله نبيه ﷺ والمؤمنين بألف من الملائكة عليهم السلام، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وجاء إبليس في جند معه راية في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين ﴿ لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ﴾ [ الأنفال : ٤٨ ] فلما اصطف القوم قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول الله ﷺ يديه فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة في الأرض فلن تعبد في الأرض أبداً. فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب فأرم به وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشيعته فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال : إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله والله شديد العقاب، فذلك حين رأى الملائكة ».


الصفحة التالية
Icon