فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله ﷺ يقتلونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله ﷺ، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ إلى قوله ﴿ سميع عليم ﴾ «.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله ﷺ، واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه، فقال لهم رسول الله ﷺ »
استأخروا فاستأخروا، فأخذ رسول الله ﷺ حربته في يده، فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعاً من أضلاعه، فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حين ولوا قافلين، فطفقوا يقولون : لا بأس، فقال أبي حين قالوا له ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه، قال ابن المسيب رضي الله عنه : وفي ذلك أنزل الله تعالى ﴿ وما رميت إذ رميت... ﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري رضي الله عنهما قالا : أنزلت في رمية رسول الله ﷺ يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته، فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بها بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ قال : حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له : إن يك الأجحش. قال : أليس قال : أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه « أن رسول الله - يوم ابن أبي الحقيق - دعا بقوس : فأتى بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها. فجاءوه بقوس كيداء، فرمى رسول الله ﷺ الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه، فأنزل الله ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ ».
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله ﴿ ولكن الله رمى ﴾ أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله تعالى من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم ﴿ وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً ﴾ أي يعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم عدوّهم مع كثرة عدوّهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته.


الصفحة التالية
Icon