﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه... ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] الآية. قال : فكان رسول الله ﷺ يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، تركناه حتى يقوم «.
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عمر بن عبد الله بن المهاجر مولى غفرة، أنه قال في أسطوان التوبة : كان أكثر نافلة النبي ﷺ إليها، وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء، والمساكين، وأهل الضر، وضيفان النبي ﷺ والمؤلفة قلوبهم، ومن لا مبيت له إلا المسجد. قال : وقد تحلقوا حولها حلقاً بعضها دون بعض فينصرف إليهم من مصلاه من الصبح، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته، ويحدثهم ويحدثونه حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطول والشرف والغني فلم يجدوا إليه مخلصاً، فتاقت أنفسهم إليه وتاقت نفسه إليهم، فأنزل الله تعالى ﴿ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.... ﴾ [ الكهف : ٢٨ ] إلى منتهى الآيتين، فلما نزل ذلك فيهم قالوا : يا رسول الله لو طردتهم عنا ونكون نحن جلساءك وإخوانك لا نفارقك، فأنزل الله تعالى ﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ﴾ إلى منتهى الآيتين.
وأخرج الفربابي وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن سعد بن أبي وقاص قال : لقد نزلت هذه الآية في ستة، أنا، وعبد الله بن مسعود، وبلال، ورجل من هذيل، واثنين، قالوا : يا رسول الله أطردهم فانا نستحي أن نكون تبعاً لهؤلاء، فوقع في نفس النبي ﷺ ما شاء الله أن يقع، فأنزل الله ﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ﴾ إلى قوله ﴿ أليس الله بأعلم بالشاكرين ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ﴾ قال : المصلين بلال، وابن أم عبد، كانا يجالسان محمداً ﷺ فقالت قريش تحقره لهما : لولاهما واشباههما لجالسناه، فنهى عن طردهم حتى قوله ﴿ أليس الله بأعلم بالشاكرين ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال »
كان رجال يستبقون إلى مجلس رسول الله ﷺ منهم بلال، وصهيب، وسلمان، فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون ناحية فقالوا : صهيب رومي، وسلمان فارسي، وبلال حبشي، يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحية، حتى ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ : انا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا؟ قال : فهم إن فعل، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم.


الصفحة التالية
Icon