فقال رجل من المؤمنين : فوالله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت شر من الحمار. فهمَّ بقتله المنافق، فذلك همهم بما لم ينالوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ﴿ يحلفون بالله ما قالوا ﴾ قال « هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي ﷺ ليلة العقبة، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله ﷺ وهم معه في بعض أسفاره، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلاً قالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النبي ﷺ وكان قائده تلك الليلة عمار، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فسمع حذيفة وقع اخفاف الابل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين : فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا. ومضى النبي ﷺ حتى نزل منزله الذي أراد، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال : أردتم كذا وكذا؟ فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه، فذلك قوله ﴿ يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ﴾ الآية ».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وهموا بما لم ينالوا ﴾ قال : همَّ رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله ﷺ.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال « رجع رسول الله ﷺ قافلاً من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مَكَرَ برسول الله ﷺ من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله ﷺ أخبر خبرهم فقال : من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول الله ﷺ العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله ﷺ لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله ﷺ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئاً، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها.
فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله ﷺ وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله ﷺ فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله ﷺ، فلما أدركه قال : اضرب الراحلة يا حذيفة وامشِ أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي ﷺ لحذيفة : هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحداً؟ قال حذيفة : عرفت راحلة فلان وفلان، وقال : كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون. فقال النبي ﷺ : هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا؟ قالوا : لا والله يا رسول الله... ! قال : فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها. قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم؟ قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولوا : إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما، وقال : اكتماهم ».