إذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، فالتمستها في الكتاب زماناً طويلاً حتى سقطت عليها بعد حين، وجدنا الله تعالى يذكر فيه ﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ﴾ إلى قوله ﴿ وبما كانوا يكذبون ﴾ و ﴿ إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ] إلى آخر الآية ﴿ إذا جاءك المنافقون ﴾ [ المنافقون : ١ ] إلى قوله ﴿ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ [ المنافقون : ١ ].
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلاً من الأنصار هو الذي قال هذا، فمات ابن عم له فورث منه مالاً فبخل به ولم يف الله بما عاهد عليه، فأعقبه بذلك نفاقاً إلى أن يلقاه قال : ذلك ﴿ بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي قلابة قال : مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين كلامهم شتى وجماع أمرهم النفاق، ثم تلا ﴿ ومنهم من عاهد الله ﴾ ﴿ ومنهم من يلمزك ﴾ [ التوبة : ٥٨ ] ﴿ ومنهم الذين يؤذون النبي ﴾ [ التوبة : ٦١ ].
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ﴾ قال :« اجتنبوا الكذب فإنه باب من النفاق، وعليكم بالصدق فإنه باب من الإِيمان، وذكر لنا أن نبي الله ﷺ حدث » أن موسى ﷺ لما جاء بالتوراة لبني إسرائيل قالت بنو إسرائيل : إن التوراة كثيرة، وانا لا نفرغ لها فسل لنا جماعاً من الأمر نحافظ عليه ونتفرغ لمعايشنا. قال : مهلاً مهلاً أي قوم، هذا كتاب الله وبيان الله ونور الله وعصمة الله. فردوا عليه مثل مقالتهم، فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرب تبارك وتعالى : فإني آمرهم إن هم حافظوا عليهن دخلوا الجنة بهن : أن يتناهوا إلى قسمة مواريثهم ولا يتظالموا فيها، وأن لا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاماً حتى يتوضأوا كوضوء الصلاة. فرجع موسى عليه السلام إلى قومه بهن ففرحوا، ورأوا أن سيقومون بهن، فوالله إن لبث القوم إلا قليلاً حتى جنحوا فانقطع بهم فلما حدث نبي الله ﷺ هذا عن بني إسرائيل قال : تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة. إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، وفروجكم « قال قتادة : شداد والله إلا من عصم الله ».