فلما خرج رسول الله ﷺ وأصحابه دخل حائطه فقال : ما خلفني رسول الله ﷺ وما استبق المؤمنون في الجهاد في سبيل الله إلا ضن بك أيها الحائط، اللهمَّ إني أشهدك أني تصدقت به في سبيلك. وأما الآخر فكان قد تفرق عنه من أهله ناس واجتمعوا له فقال : غزوت مع رسول الله ﷺ وغزوت، فلو أني أقمت العام في أهلي. فلما خرج رسول الله ﷺ وأصحابه قال : ما خلفني عن رسول الله ﷺ وما استبق إليه المجاهدون في سبيل الله إلا ضن بكم أيها الأهل، اللهم إن لك عليَّ أن لا أرجع إلى أهلي ومالي حتى أعلم ما تقضي فيَّ. وأما الآخر فقال : اللهم إن لك عليَّ أن ألحق بالقوم حتى أدركهم أو أنقطع. فجعل يتتبع الدقع والحزونة حتى لحق بالقوم، فأنزل الله ﴿ لقد تاب الله على النبي ﴾ إلى قوله ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ﴾ قال الحسن رضي الله عنه : يا سبحان الله! والله ما أكلوا مالاً حراماً، لا أصابوا دماً حراماً، ولا أفسدوا في الأرض، غير أنهم أبطأوا عن شيء من الخير الجهاد في سبيل الله، وقد - والله - جاهدوا وجاهدوا وجاهدوا، فبلغ منهم ما سمعتم فهكذا يبلغ الذنب من المؤمن.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ﴾ يعني خلفوا عن التوبة، لم يتب عليهم حتى تاب الله على أبي لبابة وأصحابه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة في قوله ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ﴾ عن التوبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة بن خالد المخزومي، أنه كان يقرؤها ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ﴾ نصب أي بعد محمد ﷺ وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : دعا الله إلى توبته من قال ﴿ أنا ربكم الأعلى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ]. وقال ﴿ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ [ القصص : ٣٨ ] ومن آيس العباد من التوبة بعد هؤلاء فقد جحد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله وهو قوله ﴿ ثم تاب عليهم ليتوبوا ﴾ فبدء التوبة من الله تعالى.