فصعقت وسمعت صوتاً لم أسمع مثله قط، فذهبت أقدر ذلك الصوت فإذا قدره كعسكر اجتمعوا فاجلبوا بصوت واحد أو كفئة اجتمعت فتدافعت وأتى بعضها بعضاً، أو أعظم من ذلك.
قال حزقيل : فلما صعقت قال : أنعشوه فإنه ضعيف خلق من طين، ثم قال : اذهب إلى قومك فأنت طليعتي عليهم كطليعة الجيش من دعوته منهم، فأجابك واهتدى بهداك فلك مثل أجره، ومن غفلت عنه حتى يموت ضالاً فعليك مثل وزره لا يخفف ذلك من أوزارهم شيئاً، ثم عرج بالعرش واحتملت حتى رددت إلى شاطىء الفرات، فبينما أنا نائم على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى ادخلني جنب بيت المقدس، فإذا أنا بحوض ماء لا يجوز قدمي، ثم افضيت منه إلى الجنة فإذا شجرها على شطوط أنهارها، وإذا هو شجر لا يتناثر ورقه ولا يفنى عمره، فإذا فيه الطلع والقضيب والبيع والقطيف قلت : فما لباسها؟ قال : هو ثياب كثياب الحور يتفلق على أي لون شاء صاحبه. قلت : فما ازواجها؟ فعرضن عليَّ فذهبت لأقيس حسن وجوههن، فإذا هن لو جمع الشمس والقمر كان وجه احداهن اضوأ منهما، وإذا لحم إحداهن لا يواري عظمها، وإذا عظمها لا يواري مخها، وإذا هي إذا نام عنها صاحبها استيقظ وهي بكر فعجبت من ذلك... ! فقيل لي : لم تعجب من هذا؟ فقلت : وما لي لا أعجب؟! قال : فإنه من أكل من هذه الثمار التي رأيت خلد، ومن تزوج من هذه الأزواج انقطع عنه الهم والحزن قال : ثم أخذ برأسي فردني حيث كنت.
قال حزقيل : فبينا أنا نائم على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى وضعني بقاع من الأرض قد كانت معركة، وإذا فيه عشرة آلاف قتيل قد بددت الطيور والسباع لحومهم وفرقت بين اوصالهم، ثم قال لي : إن قوماً يزعمون أنه من مات منهم أو قتل فقد انفلت مني وذهبت عنه قدرتي فادعهم. قال حزقيل : فدعوتهم فإذا كل عظم قد أقبل إلى مفصله الذي منه انقطع، ما رجل بصاحبه باعرف من العظم بمفصله الذي فارق حتى أمَّ بعضها بعضاً، ثم نبت عليها اللحم، ثم نبتت العروق، ثم انبسطت الجلود وأنا أنظر إلى ذلك، ثم قال : ادع لي أرواحهم. قال حزقيل : فدعوتها وإذا كل روح قد أقبل إلى جسده الذي فارق، فلما جلسوا سألتهم فيم كنتم؟! قالوا : انَّا لما متنا وفارقنا الحياة لقينا ملك يقال له ميكائيل، قال : هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم، كذلك سُنَّتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو كائن بعدكم. فنظر في أعمالنا فوجدنا نعبد الأوثان، فسلط الدود على أجسادنا وجعلت الأرواح تألمه، وسلط الغم على أرواحنا وجعلت أجسادنا تألمه، فلم نزل كذلك نعذب حتى دعوتنا. قال : احتملني فردني حيث كنت.


الصفحة التالية
Icon