أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه قال : كان يعقوب عليه السلام نازلاً بالشام، وكان ليس له هم إلا يوسف وأخوه بنيامين، فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له. ورأى يوسف عليه السلام في النوم رؤيا إن أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له، فحدث أباه بها فقال له يعقوب عليه السلام :﴿ يا بني، لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ﴾ فبلغ إخوة يوسف الرؤيا فحسدوه، فقالوا ﴿ ليوسف وأخوه ﴾ بنيامين ﴿ أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ﴾ - كانوا عشرة - ﴿ إن أبانا لفي ضلال مبين ﴾ قالوا : في ضلال من أمرنا. ﴿ اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ﴾ يقول : تتوبون مما صنعتم به. ﴿ قال قائل منهم... ﴾ وهو يهوذا ﴿ لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ﴾ فلما أجمعوا أمرهم على ذلك أتوا أباهم فقالوا له ﴿ يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف ﴾ قال : لن أرسله معكم إني ﴿ أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنَّا إذاً لخاسرون ﴾ فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليه كرامة. فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة فجعل يضربه أحدهم فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيماً، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه، يا يعقوب، لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء. فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه؟... فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه، فجعلوا يدلونه في البئر، فيتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال : يا إخوتاه، ردوا عليّ قميصي أتوارى به في الجب. فقالوا له : ادع الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر يؤنسوك. قال : فإني لم أر شيئاً. فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت، فكان في البئر ماء، فسقط فيه فلم يضره، ثم أوى إلى صخرة في البئر فقام عليها، فجعل يبكي فناداه إخوته، فظن إنها رقة أدركتهم فأجابهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة، فقام يهوذا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه، فكان يهوذا يأتيه بالطعام، ثم إنهم رجعوا إلى أبيهم فأخذوا جدياً من الغنم فذبحوه ونضحوا دمه على القميص، ثم أقبلوا إلى أبيهم عشاء يبكون، فلما سمع أصواتهم فزع وقال : يا بني، ما لكم؟ هل أصابكم في غنمكم شيء؟!... قالوا لا. قال : فما فعل يوسف :﴿ قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ﴾ يعني بمصدق لنا ﴿ ولو كنا صادقين ﴾ فبكى الشيخ وصاح بأعلى صوته ثم قال : أين القميص؟ ثم جاؤوا بقميصه وعليه دم كذب، فأخذ القميص وطرحه على وجهه، ثم بكى حتى خضب وجهه من دم القميص، ثم قال : إن هذا الذئب يا بني لرحيم، فكيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟!.


الصفحة التالية
Icon