يوسف، أعرض عن هذا. واستغفري لذنبك } يقول : لا تعودي لذنبك. ﴿ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، قد شغفها حباً ﴾ والشغاف جلدة على القلب يقال لها لسان القلب. يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب - فلما سمعت بمكرهن - يقول بقولهن - أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأً يتكئن عليه، وآتت كل واحدة منهن سكيناً وأترجاً تأكله وقالت ليوسف : أخرج عليهن. فلما خرج ورأى النسوة يوسف، أعظمنه وجعلن يحززن أيديهن وهن يحسبن إنهن يقطعن الأترج، ويقلن :﴿ حاشا لله! ما هذا بشراً، إن هذا إلا ملك كريم ﴾. قالت :﴿ فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ﴾ بعدما كان حل سراويله ثم لا أدري ما بدا له. قال يوسف :﴿ رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ﴾ من الزنا. ثم إن المرأة قالت لزوجها : إن العبد العبراني قد فضحني في الناس، إنه يعتذر إليهم ويخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج فاعتذر كما يعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فذلك قوله ﴿ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات... ﴾ وهو شق القميص وقطع الأيدي ﴿ ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان... ﴾ غضب الملك على خَبّازه، أنه يريد أن يسمه، فحبسه وحبس الساقي وظن أنه مالأه على السم، فلما دخل يوسف عليه السلام السجن قال : إني أعبّر الأحلام قال أحد الفتيين : هلم فَلْنُجَرِّب هذا العبد العبراني، فتراءيا من غير أن يكونا رأيا شيئاً، ولكنهما خرصا فعبر لهما يوسف خرصهما فقال الساقي : رأيتني أعصر خمراً. وقال الخباز : رأيتني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه. قال يوسف عليه السلام : لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة، ثم قال :﴿ يا صاحبي السجن، أما أحدكما فيسقي ربه خمراً ﴾ فيعاد على مكانه، ﴿ وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه ﴾. ففزعا وقالا : والله ما رأينا شيئاً. قال يوسف عليه السلام :﴿ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾ إن هذا كائن لا بد منه، وقال يوسف عليه السلام للساقي :﴿ اذكرني عند ربك ﴾. ثم أن الله أرى الملك رؤيا في منامه هالته، فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر يأكلهن سبع يابسات، فجمع السحرة والكهنة والعافة - وهم القافة - والحاذة، - وهم الذين يزجرون الطير - فقصها عليهم فقالوا : أضغاث أحلام، وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.


الصفحة التالية
Icon